حين يمشي الضوء على عجلاته… ذوو الإعاقة يصنعون إيقاع التنظيم في بنان
حضور استثنائي لشباب يحوّلون الممرات المزدحمة إلى مساحات تمكين حيّة تكسر الصورة النمطية وتعيد تعريف دورهم في المشهد الثقافي.
الأربعاء / 28 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 07:29 - الأربعاء 19 نوفمبر 2025 07:29
في أروقة الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية “بنان”، حيث تتوزّع الأجنحة وتزدحم الممرات بالزوّار، يبرز مشهد إنساني لا يمكن التغافل عنه: شباب من ذوي الإعاقة يقفون في قلب عملية التنظيم والإرشاد، في حضور يعكس تمكينًا حقيقيًا وإيمانًا صادقًا بقدراتهم، بعيدًا عن كل صور الاحتفالية الشكلية.
يتقدّم هذا المشهد صالح عواجي، الشاب الذي يتنقّل على كرسيه المتحرك بثقة لافتة، يوجّه الزوّار إلى الأجنحة المشاركة، ويجيب عن أسئلتهم بابتسامته الثابتة. ورغم ازدحام المكان واتساعه، يفرض صالح حضوره بفضل نشاطه ومعرفته الدقيقة بكل زاوية داخل المعرض.
هذه التجربة ليست جديدة عليه؛ فمنذ عام 2014 وصالح يشارك في تنظيم الفعاليات متنقّلًا بين مهام متنوعة صقلت خبرته. ويحمل شهادة البكالوريوس في السياحة والفنادق، ما منحه قاعدة معرفية تدعم قدرته اليوم على التعامل مع الزوار وفهم احتياجاتهم والرد على استفساراتهم بمهارة واحترافية.
وقبيل افتتاح “بنان”، خاض صالح واحدة من أكثر التجارب إجهادًا وتمهيدًا في الوقت ذاته؛ إذ أمضى يومًا كاملًا في جولة تدريبية امتدت لست ساعات متواصلة، تعرّف خلالها على مسارات الدخول والخروج، وأماكن العروض، ومواقع الأجنحة كافة، ليكون مستعدًا لإرشاد الزوار دون تردد، ومتمكنًا من كل تفصيلة كما لو كانت جزءًا من ذاكرته.
وقد ظهر أثر هذا الجهد منذ اليوم الأول، إذ كان صالح من أوائل المنظمين تنقّلًا بين الزوار والعائلات، موجّهًا ومطمئنًا ومهذبًا في تعامله، ليقدم نموذجًا واقعيًا لما يعنيه تمكين ذوي الإعاقة على الأرض.
وإلى جانب صالح، يقف الوليد اليامي، خريج علم الاجتماع، الذي يؤدي الدور نفسه ضمن فريق التنظيم، متنقلًا بين الأجنحة، مقدّمًا المساعدة للزوّار، ومحافظًا على روح اجتماعية تتناسب مع تخصصه وخبرته. وجودهما معًا يضفي بعدًا إنسانيًا ومهنيًا إضافيًا على الفريق، ويعكس تكاملاً واضحًا بين المعرفة الأكاديمية والتجربة الميدانية.
ولا يقتصر الأمر على هذين الشابين؛ فعدد من ذوي الإعاقة يشاركون في تنظيم الفعالية، ما يجعل “بنان” مساحة مفتوحة للجميع، ومنصة يبرهن فيها هؤلاء الشباب على قدرتهم على إدارة المهام بكفاءة عالية. وتكشف مشاركتهم عن روح الانفتاح المتصاعدة في المشهد السعودي تجاه دمج ذوي الإعاقة في المجالات المهنية والثقافية.
ويؤكد حضور الزوّار أن وجود صالح والوليد وزملائهما في الصفوف الأمامية لم يكن مجرّد إضافة شكلية، بل جزءًا من التجربة المتكاملة للمعرض، إذ لمس الجميع مستوى عاليًا من الإرشاد والخدمة، وشاهدوا نموذجًا فعليًا للتمكين يتجاوز الخطاب، ويترسّخ في الممارسة اليومية.