الكابوس السعودي في أحلام نتنياهو
الثلاثاء / 27 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 21:27 - الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 21:27
الطموحات مباحة، والآمال والتطلعات كذلك. إلا إن تجاوزت طبيعتها وحدودها. حينها تصبح بلا جدوى، ولا طعم ولا رائحة ولا لون، ومضمون فارغ المحتوى والأهمية.
منذ أعوام، يحلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحلم واحد كل ليلة. ويبني سياساته عليه. وحين يستيقظ تتحرك آلته الإعلامية. وزير من حكومته والمحسوبين عليه يأخذ زمام الحديث. أو كاتب من المأجورين لماله السياسي يتولى الدور ذاته. وربما حتى الصحافة والإعلام الغربي، الخاضع لضغط اللوبيات الصهيونية في الخارج، تترجم حلمه على شكل تقارير وأخبار، عنوانها: التطبيع مع السعودية.
خلال الأيام الفائتة، عمل قطيع الإعلام التابع للكيان الصهيوني، على تمرير حملة إعلامية مكثفة، تسبق زيارة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان للعاصمة الأمريكية واشنطن، وقد كرست لمحورين. الأول: قبول الرياض بالتوقيع على اتفاقية أبراهام بضغط أمريكي. الثاني: منع حصول المملكة على مقاتلات إف 35، بتأثير إسرائيلي على دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة.
يتغابى الساسة في إسرائيل عن أن العلاقة بين المملكة وأمريكا ليست عابرة، بل استراتيجية إلى أبعد مدى. وهذا يتأكد من خيال إسرائيلي واسع، أن واشنطن تملك قرار الرياض، ويمكنها إجبارها على الدخول في الاتفاقية التي دخلها البعض مع الكيان بلا ثمن.
السؤال: هل يمكن للولايات المتحدة أن تعمد التضحية بعلاقتها مع الحليف الأكبر والأقوى في المنطقة، على حساب الود مع إسرائيل؟ الجواب: بالطبع لا.
وهنا يمكن تفصيل ذلك ببساطة. ما مكاسب واشنطن من تل أبيب؟ لا شيء. مزيد من الحروب وافتعال الأزمات مع دول المنطقة، ما يضع أمريكا على الدوام في حرج معها. إذن ما فائدة الولايات المتحدة من السعودية؟ أمن استراتيجي، اقتصاد، نفط، فرص عمل، استثمارات، تبادل تجاري، تعزيز التحالف التاريخي بين البلدين.
قد يقول قائل؛ إن تل أبيب تعد من أكثر دول العالم من حيث شراء الأسلحة الأمريكية، وبالتالي فلها أهميتها الخاصة. هذا صحيح. إنما سرعان ما يتم توظيف ذلك السلاح في القتل وسفك الدماء والتشريد، الأمر الذي ينهك واشنطن سياسيا، من حيث عملها على تصحيح أخطاء ذلك الطفل المنفلت.
ثم إنه حتى الرياض تعد ضمن الدول الأكثر إقبالا على السلاح الأمريكي. لكن الفرق بينها وبين الكيان، أنها تضع ذلك السلاح في حماية أمنها القومي، والمحافظة على مكتسباتها، وليس للاعتداء على أحد.
هذا شرح مبسط وليس مقارنة، لأن المقارنة في هذا الصدد غير عادلة وليست واقعية. لماذا؟ لأن الأولى - أي السعودية - دولة رصينة لها ثقلها الخاص؛ أما الثانية فهي كيان غاصب ومحتل ليس له من التاريخ، أكثر من سلب أصحاب الحق حقهم، وتزييف الخرائط.
برأيي، إن صانع القرار السعودي لن يحيد عن شرط حل الدولتين؛ للتفكير في التطبيع مع إسرائيل، فهذا موروث سياسي سعودي وليس أمرا طارئا، أو قام على مزاجية أحد. دون شك سيحمل ولي العهد في ملفه الذي سيضعه على طاولة سيد البيت الأبيض؛ قولا واحدا: لا تطبيع دون حل الدولتين، واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني.
في المقابل، هناك بزعمي ما هو حديث في وجهة النظر السياسية السعودية. ما هو؟ إدراك الرياض أن التفكير في التطبيع مع تل أبيب لا سيما في هذه الظروف، سيكون بمثابة خدمة العمر لرئيس الوزراء الإسرائيلي. كيف؟ التطبيع الذي يستميت على إبرامه بنيامين نتنياهو مع السعودية، يعد تبييض صفحته بعد جرائمه في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، التي أنتجت رأيا عاما دوليا، ينبذ سياسته ويضعه في خانة مجرمي الحرب.
وعلى الصعيد المحلي، سيكون بمثابة صرف نظر عن فشله في تحقيق وعود النصر وإطلاق سراح الأسرى، التي خسفت بأسهمه أسفل السافلين في الأوساط الشعبية الإسرائيلية.
ومن جانب آخر وهذا في غاية الأهمية ويعيه السياسي السعودي، أن التطبيع مع المملكة التي تعتبر مرجعا للمسلمين في العالم، سيمنح نتنياهو نصرا عظيما، قد يتحول إلى مبرر للعفو عنه، والإفلات من العقوبة، نظير الجرائم التي يتهم بها، ومن المفترض أن تقوده لقفص العدالة.
لا يمكن إنكار أن ملف التطبيع سيكون مطروحا على الطاولة في لقاء ولي العهد بدونالد ترامب. الأكيد أن المملكة لن تقدم على خطوة التنازل عن شروطها، تحت أي ظرف كان، ولن تخضع للضغوط الأمريكية، التي ستقدم مصالحها الاستراتيجية بعيدة المدى مع السعودية، وترمي بأفكار وطموحات الشيطان القابع في تل أبيب بسلة المهملات.
أجزم أن وقت النقاش في هذا الملف بين ولي العهد وترامب، لن يستغرق أكثر من دقائق. فهناك ما هو أهم وأعمق. سينتهي الأمر بين الطرفين، إلى عقد صفقات مليارية، في الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والصناعات العسكرية، والطيران، والتكنولوجيا؛ تعزز من العلاقة، لا تسهم في التباعد، على حساب أحمق لا يملك لا هو ولا كيانه وزنا مقابل علاقة السعودية وأمريكا.
قالها السعوديون منذ عشرات السنين، الملوك السابقون، والملك الحالي، وولي العهد، والشعب، لا تطبيع بالمجان. حق الفلسطينيين وحل الدولتين، ثم نفكر.
رفعت الأقلام وجفت الصحف.
ولا يزال الكابوس السعودي.. في أحلام نتنياهو.