حين تتنفس المؤسسات إنسانا
الاثنين / 26 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 22:30 - الاثنين 17 نوفمبر 2025 22:30
من الإدارة بالأنظمة إلى القيادة بالإنسان... رحلة التحول نحو جودة الحياة المؤسسية.
في زمن تتسارع فيه التحولات التقنية، تذكرنا جودة الحياة المؤسسية أن روح المؤسسة ليست في أنظمتها، بل في إنسانها.
ليست المؤسسات آلات تدار بالأزرار، ولا جداول تقاس بالأرقام، ولا لوائح تعلق على الجدران. المؤسسات - في جوهرها - كائنات حية، تنجح حين تتنفس إنسانا، وتفشل حين تختنق بالروتين.
في إدارتنا الحديثة كثير من الأهداف والبرامج، لكن القليل من «الروح». نجيد قياس الأداء، لكننا نغفل عن قياس الرضا. نراقب الإنتاجية، وننسى أن نراقب المشاعر التي تنتجها.
هنا بالضبط يأتي مفهوم جودة الحياة المؤسسية كخط فاصل بين العمل بوصفه وظيفة، والعمل بوصفه حياة.
القائد الواعي لا يبحث عن الكمال في التقارير، بل عن الانسجام في النفوس. يدرك أن الإنسان إذا شعر بالتقدير سيبدع بلا أمر، وإذا شعر بالثقة سيقود نفسه قبل أن يقاد.
ولذلك فإن جوهر جودة الحياة المؤسسية ليس في الامتيازات، بل في الإحساس بالانتماء. أن يشعر كل فرد أنه جزء من الحلم، لا مجرد ترس في آلة.
إن تحويل بيئة العمل إلى مساحة تزدهر فيها القيم الإنسانية، ليس ترفا إداريا، بل ضرورة استراتيجية.
فالعطاء لا يستخرج بالقوانين، بل يستثار بالإلهام. والإنتاجية لا تبنى بالضغط، بل تزهر بالطمأنينة.
من هنا، تبدأ المؤسسات الحقيقية: من داخل الإنسان.
حين تتنفس المؤسسة إنسانا، تتبدل لغة المكان. يصبح الحديث عن «نحن» بدل «أنا»، وعن «الغاية» بدل «المهمة»، وعن «الأثر» بدل «النتائج». فتتحول المكاتب إلى مساحات فكر، والاجتماعات إلى منصات استماع، والمدير إلى قائد يشعل الشغف لا يراقب الحضور والانصراف.
وفي هذا التحول، تتحقق فلسفة جودة الحياة المؤسسية كما قدمتها في كتابي «السعادة × الكفاءة = الاستدامة المؤسسية».
معادلة بسيطة في ظاهرها، لكنها تعيد ترتيب العالم داخل المؤسسات: فمن لا يصنع السعادة، لن يصنع الاستدامة. ومن لا يزرع الاحترام، لن يجني الولاء. لقد آن الأوان أن نعيد للمؤسسة نبضها الإنساني، أن نديرها لا بالعقود والأنظمة فقط، بل بقلب يفهم أن الإنسان هو البداية والنهاية لكل نجاح.