الرأي

طبيب نفسي بدرجة مريض نفسي!

عبدالحليم البراك


كما في الأفلام والمسلسلات التي تنقل أحداثا حقيقية، نقول مثلهم؛ ملاحظة مهمة: أي تشابه في هذا المقال مع أحداث سابقة فإنما هو محض صدفة وليس مقصودا. وسؤال المقال الذي يفرض نفسه: هل يمكن أن يكون الطبيب النفسي مريضا نفسيا، بحيث يكون هو ضحية الألم والمعاناة ثم يقوم بنقل هذه الآلام والمعاناة إلى الناس مغلفة بكلمات علمية ومصطلحات طبية وعبث في المعاني والكلمات؟!

الجواب الذي لا مفر منه: إن كان المرض النفسي درجات، من حالات بسيطة وغير ظاهرة إلى حالات شديدة الإصابة، فإن هذا يعني أنه من الممكن أن يكون مولانا الطبيب النفسي مريضا نفسيا هو الآخر، ولا يدري أنه مريض، وأن ثمة من يخدع فيه لأنه أصلا مريض مثله، ولذلك أقترح على بعض الأطباء النفسيين افتتاح عيادات نفسية خاصة بالأطباء، لأن الأطباء النفسيين يملكون من الحيل الدفاعية ومصطلحات علم النفس ما يجعلهم يثبتون أنهم ليسوا مرضى بل علميون وأكاديميون أيضا.

إن كان الطبيب النفسي يتعرض لضغوط ما، مثل نقص في درجة تقييم له، أكثر مما يتعرض له من ضغوط طبيعية أخرى، فهذا طبيعي هو الآخر ولا مشاحة فيه، لكن ألا يفهم الطبيب أنه أسير اللغة الحسنة والتقديم الجيد؟ فهذه الفكرة صحيحة، لأن طريقة تقديمها هي ما تجعلها مقبولة لدى الناس أو مرفوضة بالكلية.

تخيل - عزيزي القارئ - حجم الإساءة التي يسيء بها الطبيب النفسي لمهنة الطب عندما يكون شهيرا ومؤثرا ثم تخونه الأمثلة والكلمات ويصطدم بمسلمات الناس ليقول من يستحق ومن لا يستحق إن الطبيب النفسي مريض نفسيا (مثلي تماما)، لأن ثمة من ترك مثالا سيئا أمامهم، لأن الناس أسرى للتفسير السطحي للأمور، وأن الأمثلة لديهم أهم من القاعدة. ومهما يكن من أمر، فمن أساء لمهنة لا يتصدى له إلا أهل المهنة لتعريته بالكلام العلمي!

ولا أتمنى أن أقول «لا أحد يفهم معاناتك مثل الطبيب النفسي». والحقيقة - من باب الإنصاف والسخرية - أن بعضهم يفهمها لأنه يعيشها يوميا... وربما بدرجة أعلى منك، خاصة إذا تصدر مشهد مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة - مرة أخرى - إن كانت إحدى هواياته غرائب المحتوى من جهة، وإفساد التواصل الاجتماعي من جهة أخرى!

ويمكن أن نقول إن ثمة متلازمة اسمها: طبيب نفسي بدرجة «خالف تعرف»، لكن السؤال المطروح الذي لم يطرحه على نفسه طبيبنا: من سيعالج نفسه عندك وهو يعتقد أنك مريض نفسي تحتاج لعلاج؟ ومن سيأخذ دورة تدريبية وهو يعرف أنك أكثر من يحتاج لدورات تدريبية في الأساسيات مثل بر الوالدين!

أخيرا: فإن زرت طبيبا نفسيا... وتفاجأت أنه أكثر قلقا منك... أو أكثر ارتباكا... أو أكثر حاجة للعلاج... فلا تقلق... أنت في المكان الصحيح. بشرط أن يكون سويا بالحد الأدنى وما لا يؤثر على وظائفه وأحدها سلامة التوجيه! ولعلي أقول لك: قبل أن تزور طبيبا نفسيا تأكد من سلامته أولا، أو أن يقع على عاتق وزارة الصحة والهيئة السعودية للتخصصات الطبية ضرورة فحص سلامة الأطباء النفسيين من الأمراض النفسية!