الرأي

التشهير الالكتروني: الكلمة التي قد تتحول إلى جريمة

محمد عبود الدوسري


يدرك الجميع في أيامنا هذه كيف أصبحت المنصات الالكترونية جزءا أساسيا من تفاصيل حياتنا اليومية، حيث تحول العالم الرقمي إلى مساحة مفتوحة للتعبير عن الرأي والمشاعر والمواقف. غير أن هذه الحرية التي نمارسها خلف الشاشات لا تعني بأي حال من الأحوال إطلاق العنان للألفاظ والإساءة إلى الآخرين. إذ يمكن أن تتحول كلمة واحدة، أو تعليق غير مسؤول، إلى جريمة تشهير الكتروني يعاقب عليها النظام السعودي بصرامة.

صحيح أننا لا نختلف أن حرية التعبير مكفولة للجميع وفق الأنظمة السعودية، لكنها محكومة بحدود الشرع والنظام. فحين تتجاوز الكلمة نطاق النقد البناء إلى المساس بكرامة الآخرين أو سمعتهم، تصبح الكلمة جريمة. ويعد التشهير الالكتروني من أخطر صور الإساءة الحديثة، لأنه ينتشر بسرعة البرق ويصعب السيطرة عليه أو احتواؤه بعد النشر، تاركا خلفه آثارا نفسية واجتماعية يصعب محوها.

ولنحدد بالضبط ما هي جريمة التشهير الالكتروني في السعودية نجد أنها هي، وفق نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية السعودي، استخدام الشبكة المعلوماتية أو وسائل التقنية كأداة للمساس بخصوصية الآخرين أو التشهير بهم بقصد إلحاق الضرر. وقد حدد النظام عقوبة تصل إلى السجن لمدة سنة وغرامة مالية تصل إلى خمسمئة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من يرتكب هذا الفعل.

وهذا لا يقتصر على المنشورات الصريحة، بل يشمل أيضا التغريدات أو التعليقات أو حتى تداول الصور والمقاطع التي تنتهك خصوصية الأفراد أو تسخر منهم بطريقة تحط من مكانتهم الاجتماعية أو الوظيفية.

من ناحية أخرى، فإن جريمة التشهير الالكتروني ليست مجرد مخالفة قانونية، بل هي أيضا مشكلة أخلاقية ناشئة عن انتشار وسائل التواصل التي من شأنها انتهاك قيم المجتمع السعودي القائم على الاحترام والتقدير وحفظ السمعة. فكم من شخص فقد عمله أو تضررت سمعته بسبب إشاعة نشرت في لحظة غضب؟ وكم من أسرة تضررت لأن أحد أفرادها تعرض للإساءة أو الاتهام عبر وسائل التواصل دون دليل أو بينة؟

فالكلمات في العالم الرقمي لا تموت، فهي تظل محفوظة في ذاكرة الإنترنت، لتصبح سلاحا قد يرتد على صاحبه، مهما ظن أنه في مأمن خلف حساب مجهول أو اسم مستعار.

ولذلك من المهم أن يدرك كل مستخدم للإنترنت أن النشر مسؤولية، وأن ما يكتب في العالم الافتراضي يخضع للقوانين نفسها التي تحكم العالم الواقعي. لا فرق بين كلمة تقال في مجلس عام وكلمة تكتب على منصة الكترونية يتابعها الآلاف.

كما يجب على المجتمع أن يعزز ثقافة الوعي القانوني الرقمي، من خلال التربية الأسرية والمدرسية، وحملات التوعية التي تشرح للناس معنى التشهير الالكتروني وعواقبه، وتوضح أن النقد لا يعني الإساءة، وأن نقل المعلومة يجب أن يكون مقرونا بالتحقق من صحتها ومصدرها.

وهذا ما قد أولته المملكة العربية السعودية أهمية كبيرة، من خلال تحديث الأنظمة وتطوير وسائل الرصد والتحقيق، لحماية الأفراد من أي شكل من أشكال الإساءة الالكترونية. حيث تعمل هيئة الأمن السيبراني والنيابة العامة وهيئة الاتصالات بشكل متكامل لضمان تطبيق الأنظمة وملاحقة المسيئين، مهما كان موقعهم أو وسيلتهم.

فبفضل التشريعات السعودية، أصبح الآن بإمكان الأفراد الذين تعرضوا للتشهير الالكتروني أن يحصلوا على العدالة. فتلك القوانين لا تقتصر على عقوبات الجاني فحسب، بل ترسخ أيضا مبدأ حماية الحقوق الشخصية وسمعة الأفراد في المجتمع الرقمي.

وكغيرها من الجرائم لا بد للضحية والمذنب أن يسلكا طريق القانون الذي لا يحمي مصالح الضحية فقط بل يضمن محاسبة الجاني بعدالة، بهدف ردعه من تكرار جرمه. وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال اللجوء إلى محام متخصص في الجرائم الالكترونية، لا من خلال السكوت أو التصرف الفردي.

في النهاية، تبقى الكلمة مسؤولية وأمانة، وهي إما وسيلة للبناء أو أداة للهدم. علينا أن نتذكر أن منصات التواصل ليست حلبة للخصومة أو لتصفية الحسابات، بل وسيلة للتعبير الراقي والتفاعل المسؤول.

ففي عصر أصبحت فيه المعلومة تنتشر قبل أن تتحقق، يجب أن يكون الوعي القانوني هو درع المجتمع، وأن يدرك كل فرد أن ما يكتبه قد يضعه تحت طائلة المساءلة، وأن احترام الآخرين ليس خيارا، بل واجب قانوني وإنساني يضمن لنا جميعا فضاء الكترونيا آمنا تسوده الكلمة الطيبة لا الكلمة الجارحة.