الرأي

لقاء العمالقة المرتقب بين واشنطن والرياض

عبداللطيف محمد الحميدان
تتجه الأنظار الإقليمية والدولية إلى واشنطن في وقت توصف فيه الزيارة المرتقبة لولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض بأنها واحدة من أكثر اللحظات المتوقع أن تعيد تشكيل مسار العلاقات السعودية الأمريكية منذ عقود. فهذه الزيارة التي تأتي في ظرف دولي بالغ الحساسية تحمل في طياتها ملامح تحول تاريخي في طبيعة الشراكة بين البلدين. تحول يتجاوز ما اعتاد عليه الطرفان من تعاون تقليدي في مجالات الطاقة والدفاع ليصل إلى إعادة بناء الإطار الاستراتيجي نفسه الذي قامت عليه العلاقة طوال المرحلة الماضية. لذلك ينظر إلى هذه الزيارة باعتبارها منعطفا يمكن أن يحدد شكل التوازنات المقبلة في الشرق الأوسط، ويعيد رسم موقع المملكة في خارطة القوى الصاعدة.

لهذا تتجه الأنظار إلى واشنطن مع اقتراب الزيارة المرتقبة لولي العهد إلى البيت الأبيض في 18 نوفمبر 2025. وهي زيارة تحمل منذ اللحظة الأولى طابعا يتجاوز البروتوكول إلى اختبار دقيق لطبيعة مرحلة جديدة في العلاقة بين الرياض وواشنطن. فالحفاوة الكبيرة المتوقعة لا تأتي بوصفها شكلا دبلوماسيا فقط بل باعتبارها رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة تعيد تثبيت موقع السعودية كحليف محوري في استراتيجيتها الإقليمية، فيما تستثمر المملكة هذه اللحظة لتأكيد تحولها إلى قوة صاعدة ذات مشروع واضح ضمن رؤية 2030.

في خلفية الزيارة تتزاحم ملفات حساسة تتصدرها الاتفاقيات الدفاعية، إذ يجري الحديث عن تقدم ملموس في ملف المقاتلات المتطورة إلى جانب تفاهمات أمنية أوسع قد ترتقي إلى صيغة شراكة دفاعية معززة تمنح الرياض مستويات أعلى من الطمأنينة في مواجهة تحديات المنطقة، مع بقاء هامش من الغموض حول مدى تحول هذه التفاهمات إلى التزام دفاعي طويل المدى. وضمن إطار الردع الإقليمي يبرز للمرة الأولى الحديث عن تفاهمات تخص الملف النووي السعودي سواء من حيث تطوير برنامج نووي سلمي تحت إشراف دولي أو التفاهم حول مستويات التخصيب المسموح بها، بما يحفظ حقوق المملكة ويعزز منظومتها الأمنية دون الإخلال بالتزاماتها الدولية. ومثل هذه الخطوة إن اكتملت ستشكل تحولا استراتيجيا في معادلة الردع وتمنح السعودية أدوات إضافية لموازنة النفوذ في المنطقة.

وأما اقتصاديا تبدو الزيارة رافعة قوية لتعميق الارتباط بين الاقتصادين مع ترقب انعقاد القمة الاستثمارية الواسعة في واشنطن والتي تستهدف تعزيز التعاون في الطاقة التقليدية والمتجددة والتقنيات المتقدمة والصناعات الدفاعية وسلاسل الإمداد. والمملكة تسعى من خلالها إلى دعم مسار تنويع الاقتصاد وجذب التكنولوجيا والخبرات العالمية وإلى ترسيخ موقعها كقوة استثمارية مؤثرة في الاقتصاد الأمريكي بما يعكس وزن رؤية 2030 كمشروع يعيد تعريف مكانة السعودية عالميا.

وعلى الطاولة أيضا أثقل الملفات الإقليمية من غزة إلى إيران واليمن والعراق وسوريا. إلا أن التطبيع المحتمل مع إسرائيل يبقى المسار الأكثر حساسية، حيث تراهن واشنطن على استثمار علاقتها مع ولي العهد لتحقيق اختراق سياسي جديد بينما تلتزم الرياض بموقفها المعلن بأن أي خطوة من هذا النوع مشروطة بمسار واضح نحو دولة فلسطينية مستقلة. وهنا تتحول الزيارة إلى مساحة توازن دقيقة بين الضغوط الأمريكية وحسابات الرياض العربية والإسلامية، خاصة مع إدراك المملكة لحجم الانعكاسات لأي خطوة غير محسوبة في هذا الملف.

وأما الأثر السياسي المتوقع على المملكة داخليا يتمثل في تعزيز الشرعية الدولية للمسار الإصلاحي والاقتصادي الذي يقوده ولي العهد، وتكريس صورة السعودية الجديدة كقوة تجمع بين الانفتاح الاقتصادي وتعزيز عناصر القوة الصلبة.

أما خارجيا فتمنح الزيارة المملكة هامشا أوسع للمناورة بين القوى الكبرى، بحيث تقدم الشراكة الدفاعية مع واشنطن كجزء من شبكة علاقات متعددة لا تستثني الصين وروسيا بل تنسجم مع سياسة خارجية سعودية أكثر استقلالا وتركيزا على حماية المصالح الوطنية أولا.

أما أمنيا قد تشكل مخرجات الزيارة بداية مرحلة جديدة في منظومة الردع السعودية، سواء عبر تحديث القدرات الجوية والدفاعية أو عبر التطوير المنضبط للبرنامج النووي السلمي. إلا أن هذا المسار قد يفتح الباب أمام سباق تسلح إقليمي، ما يضع الرياض أمام تحدي تحقيق توازن دقيق بين تعزيز الردع والحفاظ على مسارات التهدئة التي بدأت تتشكل في السنوات الأخيرة.

وفي الإقليم ستراقب العواصم الخليجية والعربية نتائج الزيارة بعناية. بعضها سيرى فيها خطوة لتعزيز منظومة الأمن الخليجي، فيما ستقرأها إيران على أنها محاولة لمحاصرة نفوذها وقد ترد بوسائل سياسية وإقليمية مختلفة. وهنا تتجلى حساسية اللحظة. كيف تستثمر السعودية وزنها السياسي المتزايد دون الانزلاق إلى توترات جديدة أو تعطيل مسار التوازنات الدقيقة في المنطقة.

في المحصلة ورغم أن الزيارة لا تزال ضمن دائرة الحدث المرتقب، فإن حجم الاهتمام بها يشير إلى أنها محطة مفصلية في العلاقات السعودية الأمريكية وفي صياغة هندسة أمن إقليمي جديدة. ونجاح الرياض في تحويل هذه اللحظة إلى رصيد استراتيجي مستدام سيعتمد على قدرتها على المزج بين مصلحتها الوطنية وتحالفاتها الدولية وثوابتها العربية والإسلامية وعلى إدارة هذا المشهد المعقد بقدر من الحكمة يتناسب مع حجم التحولات التي يشهدها العالم والشرق الأوسط، وهذا ما تتمتع به قيادة المملكة.