العم أحمد الحلاق… آخر ذاكرة للزجاج الدمشقي في بنان
السبت / 24 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 19:01 - السبت 15 نوفمبر 2025 19:01
لم يكن في ركن العم أحمد أي أدوات معقدة، ولا فرن مشتعل كما في ورش دمشقالقديمة؛ مجرد طاولة بسيطة تحمل قطعًا زجاجية مصنوعة يدويًا، ورجلًا يجلس بهدوءٍيشبه هدوء الحرفة التي عاش معها أكثر من نصف قرن. ومع ذلك، يشعر الزائر — من طريقة حديثه وتحريك يديه — وكأنه يقف أمام ورشة كاملة تختبئ خلف ذاكرته.
هناك، يجلس العم أحمد الحلاق (أبو محمود)، أحد آخر من بقي محافظاً على حرفةنفخ الزجاج الدمشقي، وآخر من يمتلك فرناً تقليدياً يعمل في دمشق حتى اليوم.
تحدث العم أحمد للزوّار عن قصة يحملها في صدره وحرفة يتقنها مُنذ الصغر؛ بدأتعلّمها وهو في السابعة من عمره على يد والده، ثم أصبح — وهو ابن الثانية عشرة— أصغر “معلّم” في ورشة والده، يذهب متعجلاً بعد المدرسة إلى الورشة، ويعمل فيمختلف الأوقات أمام حرارة الفرن وصعوبة المهنة دون أن يشعر أنها عبء ثقيل علىأنامل طفل يتلهف للعمل، كانت بالنسبة له جزءاً من البيت والعائلة والمدينة.
ومع السنوات، تغيّرت الظروف في سوريا؛ توقّف التصدير، أُغلقت الورش، قلّ الطلب،وهاجر أغلب الحرفيين أو غابوا، وبقي العم أحمد وحيداً تقريباً في مهنة كان يمارسهاالعشرات.
يقول وهو يشرح للزوّار تاريخ المهنة: 'الإغريق عرفوا الزجاج... لكن أول من نفخواالزجاج كانوا الدمشقيين، قبل أكثر من ألفي عام'، ثم يمسك إحدى القطع ويشرح تفاصيلها، كأنّ يده تستعيد ذكرى قديمة لا تحتاج إلى أدوات لتعود للحياة.
وجود العم أحمد في معرض بنان 2025 مشاركةٌ تعيد إحياء ذاكرة مدينةٍ وصنعةٍ تقف على حافة الاندثار؛ يعرّف الأطفال والطلاب والمهتمين بما تبقّى من هذا التراث، ويشرح حال الورش، وشكل العمل، وتحوّلات المهنة عبر السنوات.
اليوم، لا يحمل العم أحمد فرناً ولا لهباً..
لكنه يحمل إرثاً كاملاً في ذاكرته، ويضعه أمام الزوار قطعةً قطعة، وقصةً قصة؛ ليبقى هذا الفن حياً، كجزء من روح دمشق.