التحرول الرقمي!
الخميس / 22 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 02:22 - الخميس 13 نوفمبر 2025 02:22
قد تظن أخي القارئ أن هناك خطأ لغويا في عنوان المقالة، إلا أن ما تراه صحيحا؛ فحديثنا اليوم يسلط الضوء على تحول رقمي أصيب في أحد أركانه فأصبح «محرولا» أعرجا لا تستقيم مسيرته في تحقيق أهدافه.وفقا لأبحاث نشرتها (McKinsey) و(Gartner) و(IDC) فإن نسبة المبادرات الرقمية التي لا تحقق أهدافها تتراوح بين 50% و70%، كما تشير دراسات نشرتها (Taylor & Francis) إلى أن تكلفة فشل هذه المبادرات عالميا تتجاوز 2.3 تريليون دولار سنويا!وعلى أرض واقعنا دعوني أذكر لكم بعضا من مظاهر هذا «التحرول الرقمي» التي عايشتها شخصيا كمستفيد من بعض الخدمات الرقمية:قدمت طلبا لدى أحد المطاعم عبر تطبيقهم الرقمي، ودفعت أجرته، وبعد أن ظهرت لي رسالة تفيد بأن الطلب جاهز للاستلام توجهت لهم؛ إلا أنني لم أجد الطلب جاهزا، والأدهى من ذلك أنه طلب مني الاصطفاف في طابور طويل لتقديم طلبي من جديد!ومن المواقف الأخرى، حجزت الكترونيا موعدا لزيارة طبيب في أحد المستشفيات، إلا أنني لم أتمكن من الدخول عليه إلا بعد ساعة من الانتظار!وذات يوم دخلت على موقع الكتروني تابع لأحد البنوك المحلية، وبعد بحث مضنٍ لم أجد أي خدمة رقمية تحقق بغيتي، فاتصلت بخدمة العملاء وأفادوا بوجوب رفع تذكرة من خلال صفحة «تواصل معنا»! وحين قدمتها لم يصلني ما يفيد تسليمها، وبعد مضي أيام من تقديمها لم أتلق أي إفادة عنها، فعاودت الاتصال بهم، وطلبوا مني تقديم تذكرة أخرى، وهكذا أعدت الكرة مرة بعد أخرى دون أي جدوى، فرفعت حينها راية الاستسلام وذهبت إلى مقرهم لتقديم طلبي بشكل تقليدي.وفي تجربة مختلفة، احتجت مرة إلى تقديم طلب من خلال إحدى المنصات الرقمية، الحائزة على جوائز تقديرية، فكانت تجربة محبطة ومنهكة؛ إذ طلب مني اختيار عناصر متعددة ومتداخلة يصعب تتبعها، دون إتاحة تجزئتها أو اختيارها مرة واحدة. ولأن رحلة التقديم مملة وطويلة اضطررت للضغط على «حفظ المسودة» لأخذ قسط من الراحة، وبعد المعاودة لم أجد أي أثر لهذه المسودة!ومن أطرف التجارب التي مررت بها، قدمت طلبا رقميا على إحدى الجهات، فخرجت لي رسالة مفادها بوجود خطأ في إدخال رمز التحقق المرسل إلى الهاتف المحمول، مع أنه لا يوجد حقل مخصص لإدخال الرمز، ولا حتى لإدخال رقم هاتفي!ومن أكثر التجارب التي تدخلك في دائرة لا منتهية حين تطلب خدمة من جهة ما، فتحيلك على تنفيذ طلب آخر من جهة أخرى قبل أن تنفذ لك طلبك، وتلك الجهة تشترط عليك قبل خدمتك تنفيذ الأمر السابق من الجهة الأولى. وهذا الأمر ليس ببعيد عما كان ظاهرة قبل عصر التقنية، حين كان يتنقل المراجع بملف أخضر علاقي بين المكاتب والمباني لتحقيق مبتغاه!وقد تجد عزيزي القارئ بعض المنصات الرقمية أشبه بلعبة المتاهة، إذ تجد صعوبة في الوصول إلى المعلومة أو الخدمة، وحين تفلح في إيجاد المعلومة التي تبحث عنها قد تجدها قديمة عفى عليها الزمن، وإن كنت تبحث عن خدمة رقمية قد تجد تحديا في طريقة الاستفادة منها، إذ لا يوجد دليل لاستخدامها أو لم تصمم بطريقة يسهل استيعاب خطواتها.ومن المظاهر المزعجة، المماطلة في الاستجابة، فعلى أن اتفاقية مستوى الخدمة المنشورة تؤكد التزام الجهة بمدة زمنية محددة؛ إلا أن هناك تجاوزات لها بإعادة عجلة الزمن إلى الوراء من خلال تحويل الطلب من مسؤول لآخر أو بإغلاق طلبك الحالي لإرغامك على البدء من جديد!ومن آخر التجارب المريرة التي عايشتها استخدام تطبيقات خدمات التوصيل، إذ لم تفلح محاولاتي المتكررة في جعل طلب واحد يصمد دون إلغاء من الشخص المكلف بالمهمة، مما اضطرني إلى الخروج لأقرب شارع تجاري والركوب مع أول سيارة أجرة متاحة تمر بي.لا أحد يشكك اليوم أن التحول الرقمي ضرورة ملحة لأي منظومة حكومية أو خاصة، إلا أنه عملية شاملة للأعمال المؤسسية كافة، ورحلة مستمرة لمواكبة المتغيرات والاستفادة من أحدث التقنيات في تعظيم الأثر وتحسين مستوى أداء الأعمال والخدمات؛ فالفيصل أن يكون هذا التحول وسيلة للتحسين والتقدم، لا أن يكون مجرد رقمنة أو تحولا مليئا بالثغرات والهفوات.لقد حققت مملكتنا الطموحة مستوى متقدما في مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الالكترونية لعام 2024، كما احتلت المركز الأول إقليميا، والثاني على مستوى مجموعة العشرين، والرابع عالميا في مؤشر الخدمات الرقمية؛ مما يجعلها ضمن الدول الرائدة عالميا في التحول الرقمي.يجسد هذا الإنجاز - بعد توفيق الله - ما تحظى به منظومة الحكومة الرقمية من دعم سخي ورعاية كريمة من لدن قيادتنا الرشيدة أيدها الله، ولذا لا يستقيم مطلقا أن نجد بعد اليوم «تحرولا رقميا»، بل بات لزاما على الجهات المتعثرة المسارعة في مراجعة مبادراتها الرقمية؛ لسد ثغراتها وتحسين خدماتها، فتكون شريكة فاعلة في مسيرة التحول، لا قرينة شاهدة على تحروله.moqhim@