الرأي

«سكرك» سر صحتك 

عبدالمعين عيد الأغا
يقف العالم بعد غد الجمعة الرابع عشر من نوفمبر 2025 وقفة توعوية مهمة تحت مظلة «اليوم العالمي للسكري»، لتسليط الضوء على أحد أكثر الأمراض انتشارا في العصر الحديث، إذ إن هذا اليوم لا يعتبر مجرد مناسبة طبية بل دعوة مفتوحة للتأمل في نمط حياتنا، ومراجعة سلوكياتنا الصحية، ومدى وعي مجتمعات العالم بخطر هذا المرض الصامت الذي قد يتسلل إلى الجسد موجها قبله بعض العلامات والأعراض التحذيرية والتنبيهية التي إذا لم يحسن التعامل معها فحينها تزداد وترتفع احتمالات الإصابة بالسكري النمط الثاني الذي غالبا يكون مرتبطا بالسمنة واتباع نمط الحياة غير الصحي.والواقع أن الفحص المبكر للسكري يعتبر أحد أهم مفاتيح الوقاية، فالكثيرون يجهلون إصابتهم به لسنوات طويلة، خصوصا في مراحله الأولى التي قد لا تظهر فيها أعراض واضحة، لذلك عادة ينصح كل شخص تجاوز سن الأربعين، أو لديه تاريخ عائلي مع المرض، أو يعاني من زيادة الوزن، بإجراء فحص دوري لمستويات السكر في الدم، كما ينبغي على من يشعر بالعطش الشديد أو التبول المتكرر أو الإرهاق الدائم أن لا يتردد في زيارة الطبيب، فالاكتشاف المبكر يعني تحكما أفضل وفرصة أكبر للحياة الصحية.ولا شك أن الطريق إلى داء السكري النوع الثاني يمر غالبا عبر بوابة السمنة - كما أشرت - فهي العامل الأخطر والأكثر انتشارا، ولتجنب الوصول إلى تلك المرحلة يجب تبني أسلوب حياة صحي متوازن، يجمع بين النشاط البدني المنتظم والتغذية الصحية السليمة، فممارسة أي نشاط لمدة نصف ساعة يوميا تحقق الكثير من الفوائد الصحية، بجانب من المهم تقليل تناول الأطعمة عالية السكر والدهون والوجبات السريعة، وإضافة إلى ذلك الحرص على النوم الصحي بساعاته وجودته، فكلها خطوات مهمة وفعالة للحفاظ على وزن مثالي وجسم متوازن.ولم تعد السمنة حكرا على الكبار، إذ تشير العديد من الدراسات الحديثة إلى ازدياد معدلات السمنة بين الأطفال والمراهقين، ما يرفع خطر إصابتهم بالسكري من النوع الثاني في سن مبكرة، وهذه الظاهرة تنذر بخطر صحي مستقبلي يستدعي تدخلا جادا من الأسر والمدارس والمجتمع لتشجيع الأطفال على النشاط البدني وتوفير بدائل غذائية صحية، بدل الاعتماد على الوجبات السريعة والمشروبات الغازية والأطعمة المكيسة.وما يجهله الكثيرون أن السكري من النوع الثاني يعتبر من أكثر الأمراض المزمنة التي قد تترك آثارا صحية معقدة إن لم يتم التحكم بها، فارتفاع السكر المستمر قد يؤدي مرور الوقت - لا قدر الله - إلى مضاعفات عديدة تصل إلى تلف الأوعية الدموية الدقيقة، مما يؤثر على الكلى والعينين والأعصاب، وقد تظهر مشكلات في الرؤية، أو ضعف في الدورة الدموية يؤدي إلى تأخر التئام الجروح خصوصا في القدمين، كما يضاعف السكري من خطر أمراض القلب والسكتات الدماغية نتيجة تصلب الشرايين، لكن الجانب المشرق أن هذه المضاعفات يمكن تفاديها بدرجة كبيرة عبر الالتزام بالعلاج المنتظم، وضبط مستويات السكر، والمتابعة الدورية مع الطبيب، إلى جانب الحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن.وهناك بعض الأمور التي تجعل السكر المرتبط بالسمنة خطيرا وهي:  أولا: مقاومة الإنسولين، إذ يؤدي تراكم الدهون في الجسم إلى أن تصبح الخلايا أقل استجابة للإنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن نقل السكر إلى الخلايا.ثانيا: زيادة العبء على البنكرياس،  فالبنكرياس يقوم بإنتاج المزيد من الإنسولين لمحاولة التغلب على مقاومة الإنسولين، مما يجعله يعمل بجهد أكبر حتى يتضرر تدريجيا.ثالثا: ارتفاع مستويات السكر، فمع تدهور وظيفة البنكرياس، ترتفع نسبة السكر في الدم بشكل كبير، مما يؤدي إلى مرض السكري من النوع الثاني.رابعا: صعوبة السيطرة، فارتفاع مستويات السكر في الدم قد يجعل السيطرة على الحالة أكثر صعوبة. في الجانب المشرق لعبت التقنيات الحديثة للتحكم بداء السكري في السنوات الأخيرة دورا مهما وكبيرا في تعزيز جودة حياة مرضى السكري، فالأجهزة الذكية القابلة للارتداء التي تراقب مستوى السكر باستمرار، والتطبيقات التي تساعد في متابعة الأدوية والنظام الغذائي، والمضخات الأوتوماتيكية التي تضبط الإنسولين، كلها ابتكارات ساعدت المرضى على التعايش مع المرض بثقة ووعي، وتقليل نوبات الهبوط أو الارتفاع المفاجئ في السكر.الخلاصة: اليوم العالمي للسكري ليس مجرد تذكير بمرض، بل هو دعوة للحياة الصحية ولتبني نمط متوازن يضمن لنا ولأجيالنا مستقبلا خاليا من الأمراض المزمنة، فالوقاية تبدأ من الوعي، لذلك من المهم أن يتبنى المجتمع ثقافة صحية شاملة تقوم على ممارسة الرياضة بانتظام  لكونها تساعد في تحسين استجابة الجسم للإنسولين، التحكم بالوزن، وتناول الغذاء الصحي المتوازن والخضراوات والفواكه، وتقليل السكريات والأملاح، النوم الصحي بساعاته وجودته، تجنب التدخين والمشروبات الغازية والسكرية، تجنب جميع مصادر التوتر، الحرص على الفحص الدوري خاصة بعد سن الأربعين أو في حال وجود عوامل خطر، وسلامة صحتكم.