الكراسي الطائرة في سماء الرياض
الثلاثاء / 20 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 04:27 - الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 04:27
منذ أن بدأت رؤيتنا للمستقبل، والرياض بالون ينتفخ بضروب العجب.الأبراج تتسابق في التعالي، والمشاريع تتناسل كالأرانب، والطرق رغم اتساعها تصبح بحار أمواج تتلاطم بالإطارات والمعدن والزجاج.لم يعد أحد يعرف أين تنتهي السيارة التي أمامه، ولا كيف يمكن تخطي زفير العوادم.الواقع يقول إن السيارة قرة عين ساكن الرياض، الذي يمتلك على الأقل سيارتين: واحدة يعلق بها في الزحام، وأخرى يتمنى لو يحركها.الشوارع العريضة تحولت إلى كراجات، لا فرق بين المسار الرئيسي ولا مواقف المستشفى أو المول.وهنا، يتحفز الخيال العلمي ويزيد لعاب أهل المشاريع الربحية، يستقطبون شركات أجنبية، ويطلقون الوعود «تعاقدوا معنا لنتولى الأمر!».تخيل معي بعين القادم، موظفي وموظفات الرياض وهم يتجهون لأعمالهم على كراسي مسيرة، تشابه طائرات الدرون الصغيرة، وتميزها بمواصفات فخمة، وسائد ظهر، ونظام تبريد، وتسريحة مكياج، وأذرع ذكية تمنع انكشاف الثياب، وشاشة تعرض للراكب تفاصيل الزحام الأرضي الذي نجا منه للتو!الموظف لن يحتاج سائقا، ولن يفقد ثلاث ساعات من يومه ذهابا وإيابا، فقط يحتاج برودة أعصاب، وبراشوتا للطوارئ، وروبوتا مطيعا «إلى العمل يا كرسي!»فينطلق محلقا بين الأبراج، متخطيا ممرات جوية افتراضية مقسمة على ارتفاعات محددة: المستوى القريب السياحي لمن يسابقون للحاق بالبصمة، والأوسط لمديري العموم، بينما يرتقي كبار التنفيذيين فوق سحابة درجة أولى للتمويه على أوقات وصولهم.والحلول السريعة، لا بد أن تنتج مشاكل جديدة، وحيلا للمستفيدين.فكيف ستدار حركة المرور في السماء، ومن سيرصد المخالفات حال «تعانق» كرسيان فوق أحد الدائريات؟ولمن ستكون الأولوية، وهل سيكون الرصد ذاتيا أو عموميا، وهل سيحق للمشاهير التصوير؟والمعضلة الأشد، كيف وأين ستركن هذه الكراسي؟الشركات الربحية ستبادر بمشاريع إنشاء مواقف جوية متعددة الأدوار، أو شرفات معلقة حول مباني المؤسسات ليصف الموظف بكرسيه عاليا، وتخيل كيف يدخل من نافذة مكتبه في الدور الخمسين كما في أفلام الكرتون.ومن الجانب النفسي، فليس كل البشر متقبلين للطيران الشاهق، فتستجد أعذار التأخير والغياب، بدعوى فوبيا الكراسي المرتفعة، وتنتعش أعمال عيادات العلاج النفسية للتأهيل على «الثقة بالكرسي».وكم ستستجد تطبيقات ويظهر مؤثرون يبدعون في تشجيع المستخدمين: طوع كرسيك قبل أن يوقعك!الكراسي الطائرة لا شك ستذكرنا بمكانس الساحرات، وبساط ريح سندباد، مع الفارق، أن هذا الكرسي العصري ذكي مؤمن بأنظمة سلامة الكترونية، ويتميز بأنواع من الملهيات، وقدرة الذهاب بذاته للصيانة الدورية، ومعرفة عناوين المستشفيات.زحام الرياض عنيد، وحتى لو انتقل من الأرض إلى السماء، وطموحات الكراسي المجنونة ستزيد الزحام الأرضي بالفرجة من «الملاقيف».لا عجب في الرياض، وربما بعد سنوات قلائل، سنسمع عن مشاريع جديدة لحل وتنظيم زحام الكراسي الجوية، وتدشين أنظمة السرائر الطائرة لنقل الموظفين النائمين ببجاماتهم إلى أعمالهم قبل الزحام بعدة ساعات!ورغم فكاهة المقال، إلا إن الرياض، مدينة تشبه دهشة المستقبل، وستبقى مختبرا مفتوحا لكل الأفكار المجنونة، ومسرحا لاكتظاظ فكري وطرح حلول تتراوح بين الخيال وطغيان التطبيقات.وما بين الشارع المزدحم، ومترو الساردين، ومشاكل الكراسي الطائرة سيبقى موظف الرياض يحلم بزمن لا يهدر فيه ربع يومه بمواصلات الضيق.shaheralnahari@