متلازمة الاستحقاق الفوضوي
الخميس / 8 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 07:57 - الخميس 30 أكتوبر 2025 07:57
بين الوهم النفسي والتحدي المجتمعي في زمن أصبحت فيه مفاهيم الاستحقاق شائعة وبدأ يطفو على السطح نوع مقيت من السلوك أطلق عليه «متلازمة الاستحقاق الفوضوي» وهي حالة نفسية سلوكية يعيشها الفرد بشعور مفرط بأنه يستحق كل شيء ومن حقه الحصول على أي شيء دون جهد منظم أو التزام بقواعد الواقع فيتحول الحق المشروع إلى فوضى نفسية ومجتمعية، ويرى صاحب هذه المتلازمة أنه مؤهل للحصول على ما يريد، في أي وقت، وبأي وسيلة، دون أن يمر بمراحل النمو أو التعلم أو المسؤولية.برأيي من الناحية النفسية أنه غالبا ما يكمن خلف هذا الشعور فراغ نفسي وضعف في احترام الذات الحقيقية ينشئان تعويضا غير واعٍ من مشاعر النقص الشخصي أو التهميش المجتمعي.تتنامى هذه المتلازمة وتبدأ في التكوين من عوامل متشابكة أولها التنشئة المفرطة في التدليل، حين يتم تلبية كل طلب للطفل دون حدود، فيتشكل لديه اعتقاد بأن العالم بأسره مدين له، ثانيا وجود الإحباط المشاعري أو الإهمال العاطفي الذي يظهر نتيجة للسلوك ذاته كآلية دفاعية نفسية لتعويض الشعور بالحرمان والتهميش، ثالثا تبني وتعزيز تلك الرسائل المجتمعية المشوهة مثل ثقافة «النجاح السريع» و«الثراء بلا تعب»، التي تسهم في غرس فكرة أن الجهد ليس ضرورة، رابعا انعدام النضج النفسي والفكري وغياب الوعي بالحدود الواقعية بين الرغبة والقدرة يولدان فوضى داخلية تنعكس في العلاقات.ومن أبرز علامات الشخص المصاب بمتلازمة الاستحقاق الفوضوي أنه يتحدث كثيرا عن حقوقه وتغيب عنه واجباته، كما أنه يرفض النقد ويبرر أخطاءه بالظروف والآخرين، أيضا تراه يعيش تناقضا بين الطموح العالي والأداء المتدني، كذلك يلاحظ عليه الإبداع في وضع الخطط، والعجز عند تنفيذها، بالإضافة إلى أنه يتعامل مع القوانين والأنظمة كقيود وعقبات غير عادلة.هذه السلوكيات لا تضر صاحبها فقط بل تربك بيئته الاجتماعية، حيث يتولد لديه صراع معقد بين من يطالب بالاستحقاق ومن يلتزم بالمسؤولية، وتتحول متلازمة الاستحقاق الفوضوي إلى ثقافة استهلاكية من نوع آخر؛ حيث يسود منطق «أستحق لأنني أريد» مقابل تراجع الإبداع الحقيقي ويزداد الإحباط الجمعي؛ فحين تتفكك العلاقة بين الجهد والنتيجة، يفقد المجتمع أحد أهم قوانينه النفسية وهو قانون الاستحقاق الواقعي القائم على العمل والانضباط.من الصعب التعامل مع شخص يعاني من متلازمة الاستحقاق الفوضوي ومع ذلك، يمكن اتباع عدة استراتيجيات أولها رسم الحدود بقواعد ثابتة في التعامل معه، ثانيا لا يتم الاستجابة لفوضاه أو انفعالاته المتكررة، ثالثا تتبع دور التغذية الراجعة بهدوء والتركيز على سلوكه وليس على شخصيته، رابعا ربط النتائج بالمسؤولية بعدم منحه جوائز أو مكافآت دون أداء فعلي، خامسا أهمية تعزيز مهارة الوعي الذاتي عبر جلسات علاجية أو تدريبات نفسية، ومساعدته على رؤية العلاقة بين توقعاته وسلوكياته، سادسا بناء أسلوب القدوة الاجتماعية والنمذجة الوالدية من المحيط الإيجابي منذ التنشئة.الاستحقاق الصحي ينعكس من خلال جملة «أنا أستحق الأفضل لأنني أسعى إليه بصدق وجهد»، أما الفوضوي فيقول «أستحق الأفضل لأنني أريده فقط»، والفرق بين الاثنين هو الفارق بين النضج النفسي والوهم العاطفي.متلازمة الاستحقاق الفوضوي ليست مجرد اضطراب في السلوك، بل هي مرآة لاختلال أعمق في فهم الذات والعلاقة بالآخرين. ومواجهة هذه الظاهرة تبدأ من التربية والوعي المجتمعي، لا من العتاب الفردي، وحين نعيد تعريف الاستحقاق بمعناه الواقعي أي أن كل إنجاز يولد من مسؤولية، نزرع بذرة التوازن بين الحلم والواجب، بين الطموح والنظام.Yos123Omar@