التاجر والمشهور والثورة على التفاهة
الخميس / 8 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 07:54 - الخميس 30 أكتوبر 2025 07:54
أعتقد أننا نعيش فوضى في مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت ظاهرة غير صحية؛ بل تحول اجتماعي وثقافي يستحق الوقوف عنده وتوثيقه وتحليله، لأنه مس عمق الوعي الجمعي وأثر على الذوق العام ومفهوم القدوة. فالتاجر يريد أن يصبح مشهورا، والمشهور يريد أن يصبح تاجرا.يحاول المشهور إثارة الجدل والبحث عن المشاهدات باللجوء إلى السلوكيات الصادمة، والألفاظ غير اللائقة، والمشاهد المبتذلة لخلق «الترند» السريع، بغض النظر عن القيمة الأخلاقية أو الاجتماعية، والترويج لنمط حياة متكلف وغير واقعي يعتمد على إظهار الثراء والكمال الزائف، مما يعزز الثقافة الاستهلاكية المفرطة، ويشكل أيضا مادة خصبة للتجار والشركات للإعلان والتسويق لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم.أما التاجر فيقول: أنا أصلا ثري، وهذا هو نمط حياتي الطبيعي؛ القصور، والسيارات الفارهة، والسفريات، والطائرات الخاصة، واليخوت وغيرها. وبالتالي أستطيع من خلال التواصل الاجتماعي أن أستثمر حياتي الطبيعية واليومية والشخصية في إبهار الناس، وإكمال النقص الاجتماعي والشخصي الذي لدي من خلال الشهرة وزيادة المشاهدات، وأيضا الإعلان عن منتجاتي لزيادة المبيعات، ويصبح الأمر كما يقال «سمننا في دقيقنا».وكلاهما، من خلال منصته في مواقع التواصل الاجتماعي، يعطي نفسه الحق في التحدث في أي وقت يشاء في الشأن العام، وفي قضايا المجتمع وهمومه من وجهة نظره القاصرة، والمزايدة على الناس بالوطنية - وهي كلمات حق لمآرب شخصية - فيتحدثون بما لا يعلمون، «ويهرفون بما لا يعرفون»، ويلعبون على وتر عواطف الناس ومشاعرها؛ على وتر التمثيل تارة، والماديات تارة أخرى، مستغلين عواطف الشباب ودوافعهم ورغباتهم، وكأن لسان حالهم يقول «مشكلتكم أنكم طفارى، ويش أسوي لكم؟»من الواضح أن المجتمع بدأ يدخل في حالة عنيفة من التصحيح لمراجعة أدوار هؤلاء الأشخاص ومستوى ثقافتهم وصفاتهم الاعتبارية، فالمجتمع بدأ يثور على التفاهة ويفقد شغفه بالمحتوى المكرر والمستفز، وبدأ يبحث عن الجودة، عن الكلمة الصادقة، والفكر الناضج، والإبداع الحقيقي الذي يحرك الوجدان لا عدد المشاهدات، وأعتقد أنها بداية وعي صحية لقمع الفوضى، والثورة ضد التفاهة التي سادت وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وأضرت بالمجتمع في قيمه وثوابته وصورته أمام العالم، بل وأثرت على تفكيره وذائقته، وشوهت مفهوم القدوة لدى الأجيال الجديدة.وأعتقد أن الآن فرصة تاريخية وذهبية لعودة وازدهار الصحف اليومية (بقوالب تقنية حديثة) وكتاب الرأي والمثقفين والمفكرين؛ أصحاب الخبرات الطويلة إلى الصدارة مرة أخرى، والحديث أكثر عن المجتمع وهمومه وقضاياه والنقد الحر البناء، وعودة أيضا الفنان والمبدع والموهوب الحقيقي إلى الجمهور، الذي وإن كان منهكا من التفاهة، لكنه يملك قوة المقاطعة والتمييز، ويبحث عن الأصالة؛ عن العمل الفني الذي يحرك الروح، والمحتوى الإبداعي الذي يتطلب جهدا حقيقيا، وهذه دعوة إلى المؤسسات الإعلامية والصحفية والثقافية، وإلى الإنتاج الدرامي والفيديوهات القصيرة الهادفة لإعادة التمركز والعودة بقوة لملء الفراغ وإثراء الساحة الثقافية والفنية بما يتناسب مع تطلعات المجتمع الواعية وحربه على «التفاهة».3OMRAL3MRI@