الرأي

الأمية الأخلاقية

أحمد محمد القزعل
تعتبر الأخلاق ركنا أساسيا من أركان مباحث الفلسفة باعتبار أن الفلسفة تبحث عن القيم الثلاث الأساسية: 'الحق، الخير، الجمال'، وضمن قيمة الخير توجد فلسفة الأخلاق، كما تعتبر مشكلة الأمية من أهم العقبات التي تواجه السلام والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي مظهر من مظاهر التخلف الإنساني؛ فالغالب أن الإنسانية بجميع مذاهبها الفلسفية والفكرية والدينية تؤكد على أهمية الأخلاق الحسنة وتبذل جهودا لتجسيدها واقعا عمليا في الحياة، ومن هذه الجهود مواثيق وجهود الأمم المتحدة التي ترفع من كرامة الإنسان وحقه في ممارسة حقوقه وحرياته كافة، بل وتتعدى ذلك إلى حقوق الحيوان والطبيعة من حولنا.ويشير مفهوم الأمية الأخلاقية إلى ضعف أو انعدام الوعي وغياب الكفاية والفعالية الأخلاقية في التفكير والسلوك والعلاقات، والتفاعل الإنساني والتقني والبيئي وفق المعايير والقواعد الأخلاقية الإنسانية المعتبرة المتفق عليها، مما يهدد جودة الحياة العامة والعملية والشخصية والخاصة، ويعدم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، ولخطورة الأمية الأخلاقية وجدت مدونة حمورابي منذ أكثر من أربعة آلاف سنة في وادي الرافدين، والتي اشتملت على مجموعة إرشادات وقواعد للأبناء والزوجات والآباء وللتجار وللمهنيين مع العقوبات المترتبة على عدم قيامهم بهذه الواجبات بشكل صحيح، ولا يزال العالم الإنساني في عصرنا الراهن يشهد جرائم أخلاقية ضد الطبيعة الإنسانية والبيئة، ولا تزال هذه الجرائم الأخلاقية تنتشر في مجتمعاتنا، فالأمية الأخلاقية هي من أهم أسباب الأمية وليست شكلا من أشكالها، ذلك أن الكثير من الجرائم ترتكب في مجتمعات متقدمة حضاريا وهذه المجتمعات ذاتها من ترتكب الجرائم ضد المجتمعات النامية.مراتب الأمية الأخلاقيةيرى أرسطو أن الأخلاق توجد أينما يكون العلم، فباستعمال القوى العاقلة أحسن استعمال تتحقق السعادة، فالعلم فضيلة والجهل رذيلة، ويوجد عند طبقة تتمتع بالعقل وهو شرط أساسي لتسيير شؤون الدولة، وربط 'كونفوشيوس' بين السياسة والأخلاق، فالسلوكيات التي تتسم بالفضيلة هي الممارسات التي تكون متلائمة ومتوافقة مع ما يقره المجتمع والحكمة الذهبية عنده تقول (ما لا تحب أن يحدث لك لا تفعله مع الآخرين)، وبينما تتحقق الأخلاق عند أفلاطون بتحقيق التوازن في قوى النفس الثلاث: العقل، الغضب، الشهوات، وخضوعها لحكم العقل، ويمكن تحديد مراتب الأمية الأخلاقية بالمراتب التالية:
  1. الأمية الأخلاقية البسيطة: تعني الجهل بالضوابط والقواعد الأخلاقية والإنسانية، مما يؤدي إلى النقص في المعرفة بالقيم الأخلاقية الأساسية.
  2. الأمية الأخلاقية المركبة: تعني الفهم غير الصحيح للضوابط والقواعد الأخلاقية والإنسانية أو معرفة القيم الأخلاقية ولكن عدم الالتزام بها في الحياة اليومية.
  3. الأمية الأخلاقية العميقة: تعني العمل بخلاف الضوابط والقواعد الأخلاقية والإنسانية مع الجهل أو العلم بها أو رفض أو تحدي القيم الأخلاقية بشكل كامل والقيام بأعمال غير أخلاقية بوعي.
مظاهر الأمية الأخلاقية
  1. ازدواجية الوعي الأخلاقي: وتتمثل في مظاهر ازدواجية السلوك والشخصية والقرار والسياسة، وهذه الازدواجية تعمل على خلق منابع جديدة للأمية.
  2. انحلال الأنظمة الأخلاقية: تتمثل في النقص الحاد في تطبيق القيم والأخلاق على مستوى الدول والمجتمعات والأفراد، مما يؤدي إلى نتائج مدمرة تهدد القيم العليا في المجتمع، ومن مظاهر انحلال الأنظمة الأخلاقية: التفسخ الأخلاقي والفساد الأخلاقي والانحطاط الأخلاقي.
  3. همجية السلوك الأخلاقي: وتتمثل في الأسلوب غير المتحضر الذي لا يهتم بمشاعر الآخرين ولا بالضوابط الأخلاقية والإنسانية التي تربط الفرد بالمجتمع، ومن أهم أنواع الهمجية في السلوك الأخلاقي: الهمجية الجنسية والعامة والشخصية والهمجية السياسية والثقافية.
أسباب انتشار الأمية الأخلاقية
  1. غياب النشأة الأخلاقية: فعدم كفاية الفعالية الأخلاقية للتربية، تعمل على عدم قدرة التربية على استيعاب أبناء المجتمع وتحديث قيم المجتمع وعاداته، مما يؤدي إلى انحلال العلاقات التقليدية الأسرية وضعف الرابطة الاجتماعية.
  2. العوامل الذاتية السلوكية والنفسية: وتتمثل في عوامل ذاتية  سلوكية مثل أنماط الشخصية والنضج والمسؤولية.
  3. التأثير السلبي للإعلام من خلال التعرض لمحتوى يروج لسلوكيات غير أخلاقية، وعدم وجود منهجيات تعليمية تركز على القيم الأخلاقية.
طرق مواجهة الأمية الأخلاقية
  1. تفعيل دور منظومة القيم والقوانين الأخلاقية عبر مؤسسات التربية والتنشئة، مع ضرورة دمج فلسفة وعلم الأخلاق في جميع مناهج التعليم بجميع المستويات والمراحل، والعمل على رأب الصدع في بنيان البنية الأخلاقية المتضررة للأفراد والمجتمع.
  2. إطلاق حركة تغيير حقيقي في الفكر والسلوك والمواقف والاستجابة لتطلعات التنوير التي تلازم المجتمع وأفراده، وتقليص بطالة الخريجين والشباب العاطل وبناء مدارس وطنية واستخدام التكنولوجيا المعاصرة.
  3. القضاء على الأمية الأخلاقية من خلال تطوير الرؤية المستقبلية والخطة الاستراتيجية لمحو الأمية الأخلاقية وبناء مقومات النهوض الحضاري.
  4. التوعية المجتمعية وتعزيز دور الأسرة وتوجيه الآباء والأمهات لتربية أطفالهم على القيم الأخلاقية، وتسليط الضوء في الإعلام الإيجابي على تقديم المحتوى الهادف الذي يعزز القيم الأخلاقية.
ومن نافلة القول: فإن الأمية الأخلاقية تمثل تحديا كبيرا للمجتمعات الحديثة، حيث تتسبب في تآكل القيم والأعراف التي تضمن تماسك المجتمع وسلامته، ولا بد من التصدي لهذه الظاهرة ونشر الوعي في أوساط المجتمع بجميع فئاته وتعزيز الثقة لدى الأفراد والشباب خاصة بقيمهم ومبادئهم، مع ضرورة الانفتاح العقلاني الواعي والحوار الفعال مع الآخر والعمل على إجراء دراسات حول التجارب التاريخية الماضية والراهنة في مجال مكافحة الأمية الأخلاقية والتخلص منها.