الرأي

النباتات البشرية: كائنات تمشي على قدمين

عبدالحليم البراك
رجل الظل، مثل نباتات الظل، لا يحب الضوء إطلاقا ولا يحب الشهرة، فهذه النبتة تبدو جميلة وتستحق الحياة، وتستحق أن تكون في الأماكن المفتوحة وفي الشمس والعراء، وتملك أوراقا مخضرة، لكنها لا تحب الضوء، فتختفي في البيوت المحمية أو في المنازل، وقليل من الماء يكفي، وبعض الأصدقاء يورق في الظل، لا يحب الشهرة رغم الموهبة، ولا يحبون الضوء رغم أن لديهم ما يقولونه، وسوف يحترق إذا ما جاء إلى الضوء المباشر، فحافظوا عليهم في ظلالهم حتى لا تخسروهم!وليس هذا فحسب، بل هناك أناس صحراويو الطباع، ويظن أن الناس مثله أو يجب أن يكونوا مثله، فإن كانت النباتات الصحراوية تصبر على العطش وتتحمل العيش في الحرارة العالية وأجواء النكد والألم، فإن بعض الناس مثلها تماما، يكاد لا ينفك عن أن يكون كائنا صحراويا هو الآخر، فلا عواطف ولا حياة لطيفة، بل هو صحراوي النكهة، رملي الطباع، حار جاف صيفا، بارد قاس شتاء، وقد يبتسم قليلا، بالمناسبة بعض الناس من هذا النوع يحمل جمال البر والصحراء في أشهر الربيع والخريف!وآخرون مثل نبات طبي، فيه شفاء للناس وصحة وعافية، وآخرون هم من النباتات السمية القاتلة التي ربما تقتل الإنسان والحيوان على حد سواء، وثمة من يشبه في سلوكه وحياته النباتات المخدرة، صحبته لذة وهمية وعاقبته وخيمة، ضار مستخف في الليل، وسارب في النهار، يمكن اختصار حياته مع الآخرين بأنه صيدلية بشرية متنقلة!آخرون كنبات الأرصفة: الكائن الطفيلي الذي لا يزهر إلا في الأماكن الخاطئة، تجده دائما حيث لا يجب أن يكون: بين البلاط، تحت الدرج، في وسط مشاكل لا تخصه، ينمو رغما عن الناس، ويستمر رغم محاولات الاقتلاع، يتغذى على الغبار، ويعيش على خلافات المجموعات العائلية في «الواتساب»، وله قدرة هائلة على تخريب الأحاديث الجميلة بجملة قاتلة من نوع «أصلا، كل الناس كذابون».أشخاص كشجرة الزيتون: معمرو العلاقات، ثقيلو الظل أو قبيحو المنظر، لكنهم لطيفو المعشر، جميلو المحيا والخلق، هؤلاء من النوع النادر، يعيشون طويلا في قلوبنا، ويصمدون أمام رياح الحياة العاتية، علاقاتهم لا تهتز بسهولة، وإذا أحبوا أحبوا كحب الشجر لجذوره، لا ينبتون ظلا فقط، بل يوزعون زيتا وثمارا وأمانا أينما حلوا، مشكلة وحيدة؟ أنهم نادرون... تماما كأشجار الزيتون في وسط المدينة!أشخاص كالنبات المتسلق: لا يصعد إلا على أكتاف الآخرين، أما هو فلا كتف له حتى يصعد الآخرون عليها، هذا الشخص لا ينجح إلا إذا تسلق ظهر غيره، لا يملك جذورا عميقة، ولا أوراقا ناضجة، لكنه ماهر جدا في اقتناص الفرص، وخاصة إن كانت فوق أكتاف أناس مجتهدين، لا يثمر، ولا يظلل، لكنك تجده في كل مكان فيه كاميرا أو ترقية وظيفية، عزيزي القارئ، انسخ هذه العبارة ووزعها على هؤلاء ثقيلي الظل!في النهاية، لسنا جميعا نباتات سامة، ولا زينة، ولا متسلقة، لكن لا بأس أن نراجع أنفسنا من حين إلى آخر، بل كن شجرة، أو كن زهرة، أو حتى عشبة طبية... لكن لا تكن نباتا ضارا لا ظل له ولا ثمر.Halemalbaarrak@