حين يصبح الجمال خطرا صامتا
الاثنين / 5 / جمادى الأولى / 1447 هـ - 18:17 - الاثنين 27 أكتوبر 2025 18:17
في عالم يمتلئ بالعبوات الأنيقة والوعود اللامعة، ينسى الكثيرون أن الجمال ليس مجرد مظهر خارجي، بل مسؤولية تجاه أجسادنا. ما نضعه على بشرتنا قد يجملنا مؤقتا، لكنه أحيانا يترك أثرا لا نراه إلا بعد فوات الأوان.في زمن الإعلانات التي تغمر الشاشات ووسائل التواصل، أصبح من السهل أن نصدق أن الجمال يمكن أن يشترى. عبوة صغيرة تعدنا ببشرة ناعمة، كريم يعد بالنضارة في أسبوع، وظلال عيون تحمل أسماء جذابة توحي بالترف والأنوثة. لكن خلف كل هذا البريق، هناك أسئلة لا تطرح كثيرا: ماذا تحتوي هذه المنتجات؟ وهل فعلا آمنة كما يقال؟مستحضرات التجميل التي نستخدمها يوميا ليست مجرد أدوات لتزيين الملامح، بل تركيبات كيميائية تتفاعل مباشرة مع الجلد، وهو عضو حساس يمتص ما يوضع عليه. وتشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من مستخدمي مستحضرات التجميل عانوا من مشكلات جلدية أو تهيجات ناتجة عنها.فبحسب إحدى المراجعات العلمية، قرابة 4 من كل 10 أشخاص تعرضوا بشكل أو بآخر لضرر أو حساسية بسبب منتج تجميلي استخدموه، سواء كان كريما أو عطرا أو منتج عناية بالبشرة. هذه الأرقام تكشف أن تأثير مستحضرات التجميل ليس بسيطا كما يظن البعض، وأن الضرر قد يكون أكثر انتشارا مما نتوقع.بعض المواد الكيميائية المستخدمة في التجميل ثبت أنها قد تكون خطيرة: فقد حددت دراسات حديثة نحو 88 مادة كيميائية تدخل في تصنيع أكثر من 73 ألف منتج تجميلي حول العالم، تصنف بأنها قد تؤثر على الهرمونات أو ترفع احتمالية الإصابة ببعض أنواع السرطان. كما وجد أن أكثر من 90% من المنتجات التي تسوق على أنها 'طبيعية' تحتوي على مكونات قد تسبب الحساسية أو التهيج عند بعض المستخدمين.الخطورة لا تكمن فقط في نوع المكونات، بل في غياب الوعي عند الاستخدام. فعبارات مثل 'خال من المواد الكيميائية' أو 'صنع من مكونات طبيعية' لا تعني بالضرورة الأمان. كل منتج يحتوي على مواد كيميائية بدرجة ما، والفرق الحقيقي يكمن في طريقة التصنيع والجودة والرقابة. كثير من المستهلكين يشترون المنتج بناء على رائحته أو شكله الخارجي، بينما لا يلتفتون إلى قائمة المكونات الصغيرة المكتوبة بخط يصعب قراءته.ما لا يعرفه البعض أن تجربة بسيطة يمكن أن تحميهم من ضرر كبير: ضع القليل من المنتج على منطقة صغيرة من الجلد وانتظر يوما كاملا قبل استخدامه على الوجه. كذلك، حفظ مستحضرات التجميل في مكان بارد وجاف يمنع فسادها، وتجنب مشاركة أدوات التجميل مع الآخرين يقلل فرص نقل العدوى الجلدية أو الفيروسية. أما المنتجات المقلدة المنتشرة في الأسواق وعبر الإنترنت، فهي قصة أخرى من المخاطر، إذ تصنع غالبا في بيئات تفتقر لأدنى معايير السلامة.الكثيرون يستخدمون هذه المنتجات بشكل يومي حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من روتينهم الصباحي. لكن الاستخدام المستمر والمفرط قد يرهق البشرة بدل أن يحسنها. الجلد يحتاج إلى راحة، إلى أن 'يتنفس' بعيدا عن الطبقات المتراكمة من الكريمات والمساحيق. إن الجمال ليس في كثرة المستحضرات، بل في التوازن والاعتدال.الحقيقة التي يتغافل عنها كثيرون أن الجمال الحقيقي لا يخلق في عبوة. البشرة النقية هي نتيجة نمط حياة متوازن: نوم كاف، شرب الماء بانتظام، غذاء صحي، وابتعاد عن التدخين، كلها عوامل تصنع نضارة لا تباع ولا تشترى.حتى أغلى الكريمات لا يمكن أن تعوض عن قلة النوم أو نظام غذائي سيئ.ولا يمكن الحديث عن هذا الموضوع دون الإشادة بدور الجهات الرقابية في مملكتنا الحبيبة، التي تبذل جهدا ملموسا في متابعة الأسواق وضبط المنتجات المخالفة وحماية المستهلك من المستحضرات المقلدة أو غير الآمنة. هذه الجهود أسهمت في رفع مستوى الأمان والثقة داخل السوق المحلي، وجعلت منتجات العناية والتجميل تخضع لمعايير أكثر صرامة وجودة.ومع ذلك، يبقى المستهلك هو خط الدفاع الأول؛ فمهما بلغت جهود الجهات المختصة، يظل الوعي الفردي هو الحاجز الحقيقي أمام المخاطر. من واجب كل مستهلك أن يقرأ، ويتحقق، ويختار بوعي، وألا ينجرف خلف الدعاية أو المظاهر.فالرقابة تحمي السوق، لكن وعي المستهلك هو الذي يحمي نفسه وأسرته.وعندما يجتمع الوعي مع الجهود الرقابية، نصنع معا بيئة تجميلية صحية وآمنة تعكس وعي المجتمع وتقدمه.في النهاية، لا أحد يعارض فكرة التجميل، فكل إنسان يحب أن يبدو في أفضل حال. لكن التجميل الواعي هو ما يجعلنا نبدو أجمل ونبقى أصحاء. قبل أن تشتري منتجا جديدا، خذ لحظة تفكير وسؤال بسيط: هل هذا المنتج سيجملني فعلا... أم سيؤذيني دون أن أشعر؟ لأن الجمال الذي يهدد صحتك ليس جمالا، بل خطر يبتسم في عبوة صغيرة.NimerAlsabeelah@