الرأي

الجيل Z والاحتياج للتربية الإعلامية الرقمية

باسل النيرب
هناك فرضية شائعة تستحق الوقوف لبحثها، وهي أن الجيل Z وهم (الأفراد الذين ولدوا بين عامي 1997 و 2012) ولدوا وبين أيديهم التقنية، لذلك فهم لا يحتاجون إلى تعلم مهارات التربية الرقمية، وهذه الفرضية، أشارت الأبحاث التربوية إلى عكسها، حيث بينت أن شرائح من الجيل Z فشلت في مهارات التفكير النقدي، وتميز المحتوى المدفوع، وكذلك مهارات التحقق الأساسي من المعلومات.تتضمن مهارات الثقافة الرقمية والإعلامية مجموعة متنوعة، ولكن هناك ثلاث مهارات رئيسية لمحو الأمية الرقمية للجيل Z باعتبارها أساسية للتعامل مع الثقافة الرقمية بشكل فعال، وهي:
  1. محو الأمية المعلوماتية، وتعني القدرة على تحديد مواقع المعلومات الرقمية وتقييمها واستخدامها بشكل نقدي. تضمن هذه المهارة للأفراد تمييز المصادر الموثوقة من المعلومات المضللة، وهو أمر أساسي في عصر المحتوى الالكتروني الواسع.
  2. التواصل والتعاون، إتقان التعبير عن الأفكار باستخدام الأدوات الرقمية، وتشمل هذه المهارة التواصل الفعال عبر البريد الالكتروني، واستخدام منصات التعاون، وفهم آداب التعامل عبر الإنترنت، وهي أمور أساسية لنجاح التفاعل في المجال الرقمي.
  3. التفكير النقدي، وهي القدرة على تحليل المحتوى الرقمي وتوليفه وتقييمه، وتعد هذه المهارة أساسية لاتخاذ قرارات مدروسة، وحل المشكلات، والتعامل مع تعقيدات البيئة الرقمية بنهج واعٍ.
تشكل هذه المهارات الثلاث مجتمعة العمود الفقري لمحو الأمية الرقمية، وتمكين الأفراد من المشاركة بشكل مسؤول، والتواصل بشكل فعال، والتفكير النقدي في عالم رقمي متسع ومترابط بشكل متزايد، كما تشكل هذه المهارات شرطا للحماية من المعلومات الزائفة والمضللة.ولد أصحاب الجيل Z وبأيديهم الهواتف والأجهزة اللوحية، ومع دخولهم سوق العمل تبين أنهم لم يكتسبوا المهارات الكافية التي تؤهلهم لاستخدام الحواسيب المحمولة وبرمجيات العمل، بعدما استبدلت بها ساعات طويلة لمتابعة المنصات الاجتماعية على اختلافها، أما مستويات التعرض للمحتوى على المنصات فتكشف استطلاعات للرأي عن تصاعد نزعات متطرفة لدى شرائح شبابية من الذين يمضون أوقاتا طويلة على منصات مثل تيك توك، ويوتيوب، وتويتش، أو ديسكورد، حيث ينغمسون في فضاءات خيالية أو أقل ما توصف أنها سطحية وبعيدة عن الواقع.والسؤال كيف يمكن للجيل Z التمييز بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة، أو مواجهة التضليل الإعلامي إذا لم نزودهم بأسس الفهم والتمييز بين الحقيقي والمزيف في عالم الفضاء الرقمي؟إن تدريس الثقافة الرقمية الإعلامية غالبا ما يتم في المراحل الثانوية أو الجامعية، بينما يبدأ استهلاك المحتوى الرقمي في عمر أصغر على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مرحلة الشباب تصبح عمليات التغيير صعبة بحكم التنوع والتشبع الذي تعرض له بحكم الاستهلاك العالي من المحتوى الرقمي.لذا فإن تعليم مهارات الثقافة الرقمية والإعلامية وأدبيات التحقق من المعلومات في مرحلة مبكرة مطلب ملح، ومع مرور الوقت يصبح عادة راسخة وتلقائية وليست اختيارية يتم من خلالها اكتساب الجيل Z مهارات ومفاهيم جوهرية من خلال تجارب تعليمية نشطة وحية، والتجربة العالمية الأكثر انتشارا التجربة الفنلندية، فمنذ سن السادسة يتعلم الأطفال في فنلندا كيفية قراءة المعلومات الرقمية، وفهم المحتوى الذي يتعرضون له عبر الإنترنت، وبحلول سن العاشرة، يصبحون قادرين على تحليل المحتوى الإعلامي وكشف التضليل الإعلامي، بل يتعلمون كيفية القيام بذلك بلغات متعددة، نجحت التجربة الفنلندية من خلال إدراج هذه المهارات والمعارف في صلب المواد الدراسية كافة، بما يضمن أن يمارس الطالب التفكير النقدي باستمرار، بحيث تصبح طريقة التفكير جزءا لا يتجزأ من مساره التعليمي، وعندما يصلون إلى المرحلة الثانوية، يتدربون على استخدام أدوات متخصصة، كالمواقع الالكترونية للتحقق، ويعملون على أمثلة حية من الإعلام الواقعي، ولهذا تتصدر فنلندا مؤشر الثقافة الإعلامية في كل عام منذ 2017.مهارات التربية الإعلامية الرقمية تتضمن فهم التنوع الثقافي وتقديره، وتحليل بناء الخطاب السردي، وفهم السياق التاريخي والزماني للموضوع، لذا فالجيل الأكثر استحقاقا للتربية الإعلامية الرقمية هم الجيل Z، فمع انتشار منصات الأخبار وشيوع وسائل التواصل الاجتماعي باتت العلاقة بين المدرسة وغرفة الأخبار ليست ترفا، بل حاجة ملحة يترافق من خلالها تعليم القراءة ومهارات التحقق الإعلامي، وهنا يصبح الطالب قادرا على الإجابة عن الأسئلة الستة الأساسية (من، ماذا، متى، أين، كيف، ولماذا) التي تستخدم في الصحافة، وفي البحث والتحليل لتغطية الحدث بشكل شامل، وتساعد هذه الأسئلة في فهم الموضوع من جوانب متعددة وتضمن جمع أكبر قدر من المعلومات، وتشكل ثقافة تغذي التفكير النقدي وتعمق فهمه للعالم.