إسرائيل أمام العدالة الدولية: كيف يعيد القرار القضائي صياغة التوازنات الإقليمية
الاحد / 27 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 16:45 - الاحد 19 أكتوبر 2025 16:45
يشكل قرار المحكمة الجنائية الدولية بتثبيت مذكرتي توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت نقطة فارقة في تاريخ القانون الدولي والصراع (الفلسطيني–الإسرائيلي). ليس هذا القرار مجرد إجراء قضائي بل يعكس تحولا في علاقة القوة بالمساءلة، ويطرح أسئلة جوهرية حول مدى قدرة القانون الدولي على محاسبة القادة السياسيين والعسكريين وتأثير ذلك على التوازنات الإقليمية والاستراتيجيات الوطنية لكل من إسرائيل والدول العربية في الشرق الأوسط.
في ضوء هذا التحول الواضح في دور القانون الدولي والمساءلة، جاءت المحكمة الجنائية الدولية لتؤكد هذا المبدأ عمليا. فقد رفضت المحكمة الجنائية الدولية الاستئناف الذي قدمته إسرائيل لإلغاء مذكرتي توقيف صدرتا بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، مؤكدة وجود 'أسباب معقولة' للاعتقاد بتحملهما مسؤولية جنائية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. ويشكل هذا القرار محطة فاصلة في إعادة تعريف العلاقة بين السيادة والقانون الدولي وبين القوة السياسية ومنطق العدالة، إذ يؤكد أن القادة السياسيين والعسكريين لا يمكن أن يفلتوا من مساءلة القانون الدولي مهما علا منصبهم، وأن القانون الدولي قادر على فرض معاييره حتى في مواجهة أقوى الدول.
تكمن أهمية القرار في أنه يعيد تثبيت ولاية المحكمة على النزاعات التي تقع ضمن الأراضي الفلسطينية. إذ استندت المحكمة إلى عضوية فلسطين في نظام روما الأساسي، معتبرة أن أي أفعال تقع على أراضيها أو ضد مواطنيها تدخل ضمن اختصاصها القضائي. ومحاولة إسرائيل التشكيك في هذا الأساس من خلال استئنافها لم تنجح، فالمحكمة أكدت أن حماية المدنيين لا تقاس بمدى الاعتراف السياسي بالدولة، بل بمدى وقوع الانتهاك، وهو ما يعزز مبدأ المسؤولية العالمية عن الجرائم الجسيمة، ويضع إسرائيل أمام معيار قانوني أعلى يتجاوز أية حماية رمزية تمنحها السيادة أو التحالفات الدولية.
يشكل القرار بداية تفكيك الأسطورة التي لطالما رسخت 'الاستثناء الإسرائيلي' إذ لم يعد التفوق العسكري أو سردية 'التهديد الوجودي' كافيين لتغطية الانتهاكات الجسيمة. ويعيد هذا القرار إسرائيل من خانة الدولة المدافعة إلى خانة الفاعل المسؤول عن سياسات انتهكت القانون الدولي الإنساني، ما يعكس تحولا تدريجيا في العقل القانوني الدولي الذي بدأ يتعامل مع إسرائيل بوصفها فاعلا مسؤولا عن أفعال قيادتها وليس ككيان فوق القانون.
القرار أثار توترا بالغا في تل أبيب، لكنه كشف بوضوح عن التصادم بين القوة والنظام القانوني الدولي. فحتى في مواجهة الضغوط السياسية والاتهامات بالتحيز التي أطلقتها إسرائيل، أظهرت المحكمة قدرة القانون الدولي على الحفاظ على استقلاليته وصيانته لمبدأ المساءلة. إن رفض المحكمة للاستئناف واعتبار القضية غير قابلة للطعن يعكس أن المعايير القانونية الدولية لم تعد رهينة للنفوذ السياسي، وأن السلطة العسكرية والسياسية مهما بلغت لا تمنح حصانة تلقائية، وهو ما يمثل اختبارا عمليا لمصداقية النظام الدولي في مواجهة الدول الكبرى.
يمتد أثر القرار إلى أبعاد رمزية وجيوسياسية واسعة، إذ يعيد للضحايا موقعهم في الذاكرة العالمية ويحول نتنياهو وغالانت إلى رموز لعصر تتقاطع فيه المحاسبة الأخلاقية مع العزلة السياسية، مؤكدا أن الجرائم الفردية لا تسقط تحت ذرائع الحرب أو الأمن القومي، كما يعيد القرار رسم توازنات الشرعية في الشرق الأوسط، حيث يتراجع المنطق الذي لطالما منح إسرائيل حصانة أخلاقية، ويفتح المجال أمام القوى الإقليمية المستقلة لتقديم رؤى بديلة للشرعية والاستقرار بعيدا عن الهيمنة الغربية التقليدية.
من منظور جيوسياسي: يشكل القرار اختبارا لإسرائيل في قدرتها على الحفاظ على صورتها الدولية والسيطرة الرمزية على سردية الصراع (الفلسطيني–الإسرائيلي)، ويضع الولايات المتحدة أمام تحدٍ واضح في التوفيق بين دعم حليفها التقليدي والحفاظ على مصداقية معايير القانون الدولي، مما يعمق أزمة الثقة في المصداقية الغربية ويمنح خصوم واشنطن أدوات لتحدي ازدواجية المعايير في المحافل الدولية. ويعيد القرار أيضا تشكيل الحسابات الاستراتيجية في المنطقة إذ يخلق نوعا من التوازن الرمزي بين إسرائيل والدول العربية، ويعزز قدرة هذه الدول على فرض مقاربتها المستقلة في إدارة الصراع (الفلسطيني–الإسرائيلي) سواء عبر الدبلوماسية المباشرة أو من خلال التحالفات الإقليمية الجديدة التي توازن بين المصالح الوطنية واحترام الشرعية الدولية.
وعلى الصعيد العربي: يمثل القرار انتصارا للذاكرة وللفعل الرمزي إذ يكرس الثقة في إمكانية استعادة المعنى الأخلاقي للصراع بعد أن جرد طويلا من أي بعد إنساني، ويؤكد أن مساءلة القوة ليست مجرد شعار بل أداة فعلية لإعادة تعريف التوازنات السياسية والأخلاقية. كما يشير القرار إلى أن أي تحركات إسرائيلية أحادية على المستوى العسكري أو السياسي باتت معرضة لمساءلة دولية وهو ما يدفع الفاعلين الإقليميين إلى استثمار المعايير القانونية والأخلاقية كأدوات لإعادة هندسة التوازنات، سواء على مستوى الصراعات المباشرة أو على صعيد النفوذ الرمزي والدبلوماسي.
كما يعكس القرار تحولا في طبيعة الردع الدولي، إذ أصبح القانون نفسه أداة للتوازن بين القوة والشرعية، ما يضيق هامش المناورة أمام أي دولة ترغب في ممارسة العنف دون مساءلة. ويؤكد أن مساءلة القادة لا تقتصر على الجانب القانوني بل تمتد إلى الأبعاد الرمزية والسياسية والجيوسياسية، بحيث تتحول العدالة إلى عامل تأثير استراتيجي قادر على إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية.
بهذا المعنى: فإن تثبيت مذكرتي التوقيف لا يمثل مجرد خطوة قضائية، بل حدث كاشف لتحول عميق في بنية النظام الدولي، حيث يتراجع منطق 'الاستثناء الإسرائيلي' لصالح مبدأ المساءلة الكونية ويتحول القانون الدولي إلى أداة هندسة جديدة للتوازنات السياسية في المنطقة. وبينما تحاول إسرائيل احتواء الخسارة عبر الخطاب والدعاية يبدأ العالم بالتعامل معها لأول مرة بوصفها فاعلا خاضعا للمحاسبة وليس ككيان فوق القانون، ما يمهد لعصر جديد من مساءلة القوة وتوازن الشرعية في الشرق الأوسط، ويؤكد أن العدالة وإن تأخرت تبقى البطاقة الأساسية التي يحملها الضحايا في مواجهة التاريخ. كما يترتب على هذا القرار تأثير واضح على الاستراتيجية الإقليمية لإسرائيل، حيث تضطر لإعادة حساب خطواتها العسكرية والدبلوماسية، ويمنح الدول العربية فرصة لتعزيز مواقفها المستقلة في القضايا الإقليمية سواء عبر الدبلوماسية أو التحالفات الإقليمية، مستندة إلى قاعدة قانونية وأخلاقية أقوى، مما يعيد تشكيل موازين القوة الرمزية والاستراتيجية في المنطقة.
في ضوء هذا التحول الواضح في دور القانون الدولي والمساءلة، جاءت المحكمة الجنائية الدولية لتؤكد هذا المبدأ عمليا. فقد رفضت المحكمة الجنائية الدولية الاستئناف الذي قدمته إسرائيل لإلغاء مذكرتي توقيف صدرتا بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، مؤكدة وجود 'أسباب معقولة' للاعتقاد بتحملهما مسؤولية جنائية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. ويشكل هذا القرار محطة فاصلة في إعادة تعريف العلاقة بين السيادة والقانون الدولي وبين القوة السياسية ومنطق العدالة، إذ يؤكد أن القادة السياسيين والعسكريين لا يمكن أن يفلتوا من مساءلة القانون الدولي مهما علا منصبهم، وأن القانون الدولي قادر على فرض معاييره حتى في مواجهة أقوى الدول.
تكمن أهمية القرار في أنه يعيد تثبيت ولاية المحكمة على النزاعات التي تقع ضمن الأراضي الفلسطينية. إذ استندت المحكمة إلى عضوية فلسطين في نظام روما الأساسي، معتبرة أن أي أفعال تقع على أراضيها أو ضد مواطنيها تدخل ضمن اختصاصها القضائي. ومحاولة إسرائيل التشكيك في هذا الأساس من خلال استئنافها لم تنجح، فالمحكمة أكدت أن حماية المدنيين لا تقاس بمدى الاعتراف السياسي بالدولة، بل بمدى وقوع الانتهاك، وهو ما يعزز مبدأ المسؤولية العالمية عن الجرائم الجسيمة، ويضع إسرائيل أمام معيار قانوني أعلى يتجاوز أية حماية رمزية تمنحها السيادة أو التحالفات الدولية.
يشكل القرار بداية تفكيك الأسطورة التي لطالما رسخت 'الاستثناء الإسرائيلي' إذ لم يعد التفوق العسكري أو سردية 'التهديد الوجودي' كافيين لتغطية الانتهاكات الجسيمة. ويعيد هذا القرار إسرائيل من خانة الدولة المدافعة إلى خانة الفاعل المسؤول عن سياسات انتهكت القانون الدولي الإنساني، ما يعكس تحولا تدريجيا في العقل القانوني الدولي الذي بدأ يتعامل مع إسرائيل بوصفها فاعلا مسؤولا عن أفعال قيادتها وليس ككيان فوق القانون.
القرار أثار توترا بالغا في تل أبيب، لكنه كشف بوضوح عن التصادم بين القوة والنظام القانوني الدولي. فحتى في مواجهة الضغوط السياسية والاتهامات بالتحيز التي أطلقتها إسرائيل، أظهرت المحكمة قدرة القانون الدولي على الحفاظ على استقلاليته وصيانته لمبدأ المساءلة. إن رفض المحكمة للاستئناف واعتبار القضية غير قابلة للطعن يعكس أن المعايير القانونية الدولية لم تعد رهينة للنفوذ السياسي، وأن السلطة العسكرية والسياسية مهما بلغت لا تمنح حصانة تلقائية، وهو ما يمثل اختبارا عمليا لمصداقية النظام الدولي في مواجهة الدول الكبرى.
يمتد أثر القرار إلى أبعاد رمزية وجيوسياسية واسعة، إذ يعيد للضحايا موقعهم في الذاكرة العالمية ويحول نتنياهو وغالانت إلى رموز لعصر تتقاطع فيه المحاسبة الأخلاقية مع العزلة السياسية، مؤكدا أن الجرائم الفردية لا تسقط تحت ذرائع الحرب أو الأمن القومي، كما يعيد القرار رسم توازنات الشرعية في الشرق الأوسط، حيث يتراجع المنطق الذي لطالما منح إسرائيل حصانة أخلاقية، ويفتح المجال أمام القوى الإقليمية المستقلة لتقديم رؤى بديلة للشرعية والاستقرار بعيدا عن الهيمنة الغربية التقليدية.
من منظور جيوسياسي: يشكل القرار اختبارا لإسرائيل في قدرتها على الحفاظ على صورتها الدولية والسيطرة الرمزية على سردية الصراع (الفلسطيني–الإسرائيلي)، ويضع الولايات المتحدة أمام تحدٍ واضح في التوفيق بين دعم حليفها التقليدي والحفاظ على مصداقية معايير القانون الدولي، مما يعمق أزمة الثقة في المصداقية الغربية ويمنح خصوم واشنطن أدوات لتحدي ازدواجية المعايير في المحافل الدولية. ويعيد القرار أيضا تشكيل الحسابات الاستراتيجية في المنطقة إذ يخلق نوعا من التوازن الرمزي بين إسرائيل والدول العربية، ويعزز قدرة هذه الدول على فرض مقاربتها المستقلة في إدارة الصراع (الفلسطيني–الإسرائيلي) سواء عبر الدبلوماسية المباشرة أو من خلال التحالفات الإقليمية الجديدة التي توازن بين المصالح الوطنية واحترام الشرعية الدولية.
وعلى الصعيد العربي: يمثل القرار انتصارا للذاكرة وللفعل الرمزي إذ يكرس الثقة في إمكانية استعادة المعنى الأخلاقي للصراع بعد أن جرد طويلا من أي بعد إنساني، ويؤكد أن مساءلة القوة ليست مجرد شعار بل أداة فعلية لإعادة تعريف التوازنات السياسية والأخلاقية. كما يشير القرار إلى أن أي تحركات إسرائيلية أحادية على المستوى العسكري أو السياسي باتت معرضة لمساءلة دولية وهو ما يدفع الفاعلين الإقليميين إلى استثمار المعايير القانونية والأخلاقية كأدوات لإعادة هندسة التوازنات، سواء على مستوى الصراعات المباشرة أو على صعيد النفوذ الرمزي والدبلوماسي.
كما يعكس القرار تحولا في طبيعة الردع الدولي، إذ أصبح القانون نفسه أداة للتوازن بين القوة والشرعية، ما يضيق هامش المناورة أمام أي دولة ترغب في ممارسة العنف دون مساءلة. ويؤكد أن مساءلة القادة لا تقتصر على الجانب القانوني بل تمتد إلى الأبعاد الرمزية والسياسية والجيوسياسية، بحيث تتحول العدالة إلى عامل تأثير استراتيجي قادر على إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية.
بهذا المعنى: فإن تثبيت مذكرتي التوقيف لا يمثل مجرد خطوة قضائية، بل حدث كاشف لتحول عميق في بنية النظام الدولي، حيث يتراجع منطق 'الاستثناء الإسرائيلي' لصالح مبدأ المساءلة الكونية ويتحول القانون الدولي إلى أداة هندسة جديدة للتوازنات السياسية في المنطقة. وبينما تحاول إسرائيل احتواء الخسارة عبر الخطاب والدعاية يبدأ العالم بالتعامل معها لأول مرة بوصفها فاعلا خاضعا للمحاسبة وليس ككيان فوق القانون، ما يمهد لعصر جديد من مساءلة القوة وتوازن الشرعية في الشرق الأوسط، ويؤكد أن العدالة وإن تأخرت تبقى البطاقة الأساسية التي يحملها الضحايا في مواجهة التاريخ. كما يترتب على هذا القرار تأثير واضح على الاستراتيجية الإقليمية لإسرائيل، حيث تضطر لإعادة حساب خطواتها العسكرية والدبلوماسية، ويمنح الدول العربية فرصة لتعزيز مواقفها المستقلة في القضايا الإقليمية سواء عبر الدبلوماسية أو التحالفات الإقليمية، مستندة إلى قاعدة قانونية وأخلاقية أقوى، مما يعيد تشكيل موازين القوة الرمزية والاستراتيجية في المنطقة.