مؤتمر السلام.. لعله ينهي الحرب ويشفي غليل القلوب
الاحد / 27 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 16:41 - الاحد 19 أكتوبر 2025 16:41
وانتهت الحرب.. واجتمع ثلاثون قائدا من قادة العالم يتقدمهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، حتى يوقعوا على اتفاقية السلام لإنهاء حرب الكيان الصهيوني على الفلسطينيين في غزة بالتحديد بعد تبادل باهت للأسرى، وفي غياب الجهة الفلسطينية الغزية لتوقع على الاتفاق. حرب ضروس استمرت لعامين كاملين وأسبوع. مارس الكيان الصهيوني خلالها كل أشكال الإبادة الممكنة، المتخيلة وغير المتخيلة، من استخدام أحدث الأسلحة والقنابل والطائرات والمسيرات والمدرعات والصواريخ، إلى حرب التجويع ومنع الشراب والطعام وصيد البحر والجو وتلويث المياه وتجريف الأراضي الزراعية، إلى حرب الإبادة الصحية بتدمير كل مصادر العلاج والرعاية والمحافظة على الحياة، فتم استهداف الأطباء بالقتل والأسر، والطواقم الصحية والإسعافية كافة، كل مستشفيات غزة تم تدميرها وجعلها بيوت أشباح لم يتم استثناء أي كائن حي عليها رضيع، طفل، امرأة، رجل، مسن، معوق، أو حيوان، وحمير غزة تشهد بقتلها وسرقتها للتصدير، هذا فضلا عن محاربة كل ما يعنيه ويعين على الحفاظ على الذرية سواء بالعناية بالنساء الحوامل أو بالولادة والنفاس أو ببنوك الأجنة، كانت كلها من المستهدفات، ولعل المستهدف الرئيس كان الأطفال، قتلا وتشويها وبتر أطراف تحمل كل آلام العالم بإجرائها دون تخدير، ليصبح الجيل القادم من فلسطينيي غزة جيلا معوقا ميتما جاهلا عاطلا. إلى حرب الإبادة المعرفية والتعليمية لإبادة المستقبل، بتدمير جامعات غزة كافة وغالبية مدارسها ومعاهدها. إلى حرب الإبادة الرياضية، فتم تدمير ملاعب غزة ومسابحها كافة التي بلغت 292 منشأة، وقتل مئات الرياضيين، حيث بلغ عددهم 894 رياضيا ورياضية ومدربين وفنيين، منهم بيليه فلسطين، سليمان العبيد الذي استشهد وهو واقف في مصيدة مساعدات الموت 'الإنسانية'، وآخرهم كان صالح الجعفراوي، بطل كرة الطاولة والصحفي الذي اغتالته عصابات متعاونة مع الاحتلال بعد انتهاء الحرب بيوم. أما الصحفيين فلم يتوقف استهدافهم الممنهج منذ اليوم الأول، لخنق الصوت وقطع الصورة وإخفاء الحقيقة بعد أن تم منع أي صحفي أجنبي من دخول غزة طيلة فترة الحرب. فكان الصحفيون الفلسطينيون هم عيون وصوت غزة طيلة العامين الماضيين وقد ضحوا بأسرهم وحياتهم ومستقبلهم. لم يتم استهداف الـ255 صحفيا وصحفية فقط، بل وعائلاتهم وأطفالهم أينما كانوا. واستهداف عائلات المستهدفين آلية يستخدمها الكيان المجرم باستمرار لحرق القلوب على الأحباب ثم القضاء عليهم بعد ذلك.
فضلا عن تدمير ذاكرتها ومتاحفها ومعارضها وآثارها، وينضم إلى ذلك، حتى مقابرها. هل بقي شيء؟ نعم كامل البنية التحتية من صرف صحي، مياه، كهرباء، اتصالات، انترنت، تم تدميرها إلى قرب الرمق الأخير، الدفاع المدني وكل عدته كانت دوما هدفا سهلا ومستمرا، لا سيما عند محاولة إسعاف بعد غارة أو استهداف لدرجة دفن طواقم مسعفين أحياء بسياراتهم. وبعد ذلك تدمير أحياء بأكملها ومدن بأكملها وإسقاط أبراج بكاملها، مثل رفح وجباليا وجزء كبير من مدينة غزة التي كانت آخر ما استهدفه الاحتلال المجرم، وبعد ذلك ظهر ترامب في الصورة ليقول لهم: كفى لعبا يا عيال، نريد أن نبدأ الشغل.
ردة فعل العالم كانت متباينة، ولعل الصوت الرسمي الأعلى كان في السنة الأولى مع القضايا التي رفعتها جنوب إفريقيا على إسرائيل في محكمة العدل الدولية متهمة إياها بارتكاب حرب إبادة، ونتج عنها قبول 13 صوتا من 15 تأييد جنوب إفريقيا بالقول باحتمال أن ما يجري هو إبادة وأمرت إسرائيل بالالتزام بعدد من النقاط التي لم تفعلها، ثم رفع محكمة الجنايات الدولية قضية إدانة بجريمة حرب التجويع على رئيس وزراء الكيان ووزير دفاعه وثلاثة من قادة حماس الذين اغتيلوا فيما بعد، لكن العالم الغربي لم يتقيد بأحكام المحكمة والتفاصيل طويلة وقد كتبت عنها من قبل.
وبقي الجزء السياسي الرسمي من العالم، إلا من رحم ربي، ملتزما الصمت واستكمال تمويل الكيان الصهيوني بالسلاح والمال وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 69% من أسلحتها المتطورة والمليارات التي لم تتوقف، ثم ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، كندا، والهند.
في حين أن العالم العربي والإسلامي والذي تصدرته السعودية منذ اليوم الأول لجأ إلى العمل الدبلوماسي المكثف الذي طاف العالم يشرح القضية الفلسطينية ويطلب المساعدة على إيقاف الحرب مغيرا في مواقف كثير من الدول. وكان آخر مبادراته عقد قمة حل الدولتين مع فرنسا التي نتج عنها اعتراف 11 دولة جديدة بفلسطين في انعقاد الجمعية العمومية الثمانين للأمم المتحدة في 22 سبتمبر 2025 تنضم إلى السابقة، ليرتفع العدد إلى 159 دولة تعترف بها من بين 193 دولة. وفي فترة انعقاد الجمعية أعلن الرئيس الكولومبي تشكيل جيش دولي ليحارب الكيان الصهيوني بالتعاون مع جنوب إفريقيا، والرئيس الإسباني يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاستثمارية كافة مع الكيان الصهيوني.
أما العالم في جزئه المدني فقد انتفض. وقد استمر انتفاض الشعوب يأخذ مناحي أكثر جرأة وقوة كل يوم مع آلاف المظاهرات والاعتصامات في كل أنحاء العالم، وتعطيل مناسبات احتفالية متعاونة مع الكيان الصهيوني أو تحركات شحنات أسلحة أو مصانع أسلحة تمول الكيان، وكانت الأكثر جرأة هي سلسلة محاولات كسر حصار غزة عن طريق البحر من خلال أسطول الحرية الذي حاول خلال هذا العام أن يصل غزة في أربع محاولات، الأولى بأسطول مادلين، والثانية حنظلة، والثالثة أسطول الصمود العالمي الضخم المكون من 42 سفينة وقاربا بها حوالي 500 ناشطة وناشط من 44 جنسية، والأخيرة كانت أسطول الضمير من 8 سفن و70 ناشطا، ويحمل أطقما طبية وصحفية كرسالة تضامن مع هاتين الفئتين. وقد قامت دولة الكيان المجرمة بالاعتداء على كل هذه السفن في المياه الدولية ونقل ناشطيها إلى ميناء أشدود الفلسطيني الذي تحول إلى أشدود العبري، ومن ثم إلى سجون الكيان، حيث تعرضوا لاعتداءات وإهانات وإذلال ومحاكمات صورية، انعكست بمظاهرات في دولهم كافة يطالبون بإطلاق سراح رعاياهم الذين قاموا بدور كان يجب أن تقوم به الدول وليس أفراد من العامة مهما كانت خلفياتهم العلمية أو السياسية.
حراك شعبي كبير على مستوى العالم وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية وجامعاتها وشوارعها، انخفضت نسبة الشباب والكبار المؤيدين لإسرائيل بنسبة كبيرة جدا ارتفعت فيها بالمقابل نسبة المناصرين لفلسطين، كما بدأت الكثير من أقنعة الاحتلال وأكاذيبه تكتشف وتشيع، وقامت وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما التيك توك، بدور كبير في تعويض الفاقد الإعلامي الرسمي بالإعلام الشعبي المباشر من موقع الحدث بالصوت والصورة دون فلترة. ونشطت حركة المقاطعة BDS في أنحاء العالم وتضررت الكثير من الشركات والمؤسسات التعليمية المؤيدة للكيان لا سيما عسكريا واستيطانيا.
لكن اليوم أو الأمس نصل إلى ختام هذه الإبادة بمسرحية مؤلمة، خطاب استفزازي لترامب في الكنيست الإسرائيلي يمجد فيه نتنياهو، هو المطلوب من محكمة الجنايات الدولية، ويتأخر لأجله ولأجل تبادل بعض الأحاديث معه وربما عقد اتفاقيات في تل أبيب، مدة ساعة ونصف عن موعد وصوله إلى شرم الشيخ، حيث ينتظره أكبر وأقوى رؤساء ثلاثين دولة من كل أنحاء العالم، ثم يصل ليوقع اتفاقا لإنهاء الحرب بينه وبين مصر وقطر وتركيا، في غياب فلسطين، في غياب غزة، المعني الرئيس وهؤلاء يوقعون بالنيابة. فضلا عن الكلمة الأخرى التي ألقاها ترامب على المنصة والتي تحمل كثيرا من السخرية برؤساء العالم العربي منه والغربي. أما الخليجي فقد كان استهزاؤه بنا بربطنا بما نملكه من أموال، وكأنه عندما يرى شخصا في ثوب وغترة ومشلح لا يرى سوى صرر نقود وذهب. واعتذار ولي عهدنا عن حضور هذا المشهد في مكانه، أسعدنا وأعزنا. بالنسبة لترامب فإن الخليج عبارة عن منجم ذهب ونفط له حق فيه بأي شكل. واليوم يريد أن يفرض على الخليج وهم راضون، أن يمولوا إعادة إعمار غزة، وتكافأ دولة الاحتلال على ما اقترفت ودمرت في حين أنها المسؤولة أمام القانون الدولي بالإنفاق والبناء والحماية والعلاج والتعليم وكل ما يتناول الحياة الكريمة لما تحت يدها من أرض محتلة ومن تحتلهم.
وقفت الحرب وبدأ تبادل الأسرى وعاد العالم يسلط إعلامه على سجناء الحرب الذين يدعوهم رهائن، يستجدي بكاء أهاليهم وفرحة لقائهم وجمال حشود استقبالهم، بينما يتجاهل السجناء الفلسطينيين الذين هم في الواقع رهائن و85% منهم من غير قضايا ومنهم الأطفال والنساء والأطباء والصحفيون ممن خطفوا من غزة أو الضفة دون وجه حق، اعتقلوا وعذبوا وجوعوا وتركوا من غير علاج، ومنع أهاليهم من استقبالهم بأي شكل من أشكال الفرحة وبألا يزيد عدد مستقبليهم عن أهل بيتهم من الدرجة الأولى، فضلا عن المداهمات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على كثير من بيوت أسر المحررين لتخويفهم وتخريب بيوتهم وإلقاء القنابل الغازية عليهم وبعضها يتسبب في حرائق دون أي تغطية أو اعتناء من اي وسيلة إعلام غربية. كانوا يوزعون على كل المحررين وأسرهم منشورات بالتعليمات الخاصة بالمحررين، لا استقبال، لا تعبير عن أي فرحة، لا تجمع، هذا فضلا عن الإبعاد. فحوالي 150 من المحررين تم اتخاذ القرار بإبعادهم إلى خارج الأراضي الفلسطينية. وللتأكد من كسر قلوب المحررين وأسرهم، يمنعونهم من السفر إلى خارج الضفة الغربية لمحاولة استقبال أحبائهم بعد تحريرهم. فالفلسطينيون في أي مكان في فلسطين هم مقيدو الحرية. لا شيء مما يجري على الجانب الآخر من السجون الإسرائيلية تتم تغطيته أو الإشارة إليه من قريب أو بعيد إلا النذر اليسير وعلى مضض. بالنسبة لترامب المشغول بمشاريعه القادمة في غزة، فإن الفلسطينيين هم آخر همه. أما القانون الدولي والإنساني فهو آخر ما كانت هذه الاتفاقية تنظر إليه أو تلتزم به. فقد تم كسر القانون الدولي في هذه الحرب على المستويات كافة أمام أعين العالم دون أن يهتز لقياداته جفن، إلا من رحم ربي. انتهاك القانون الدولي جاء في اقتراف الإبادة بشكل لم يسبقه مثيل على الملأ، في الاعتداء على سبع دول عربية وإسلامية بحجج واهية ودون أي وجه حق، فقط لأنها تستطيع. جاء الانتهاك في الاختطافات التي اقترفتها بحق ركاب سفن أسطول الحرية في المياه الدولية وما تلا ذلك من انتهاكات. في اختطافات المدنيين العزل من غزة وتجريدهم من ملابسهم وحملهم في شاحنات مكبلة أياديهم تحت الشمس والبرد إلى المجهول، انتهاكات يومية في الضفة الغربية من المستوطنين المستأسدين بحماية الجيش الإسرائيلي، بالقتل وحرق المحاصيل والاعتداء على البيوت والاستيلاء على الأراضي، وتهجير الجيش لسكان مخيمات الضفة وهدم بيوتهم وتجريف شوارعهم وبنيتهم التحتية. ومحصلة كل ما سبق أن هذه الدولة المارقة مرت بكل انتهاكاتها دون أي محاسبة وحتى اليوم، حيث توقع هذه الوثيقة وتلقى الكلمات الرنانة ويقف الرؤساء مصفقين ومهللين، لا توجد إشارة واحدة إلى محاسبة جرائم الحرب والإبادة. ويبقى الخوف الأكبر في أن يكون هذا الاتفاق كسابقيه، يخرقه الكيان الصهيوني دونما محاسب، واليوم تم قتل ستة فلسطينيين، ومنع فتح معبر رفح وتعطيل دخول شاحنات المساعدات، كدفعة أولية من انتهاكات اتفاق السلام.
مبارك إن شاء الله انتهاء الحرب، والرحمة للشهداء والشفاء للجرحى، والأمل في المستقبل صمود أبنائه ومئة ألف مولود جديد في القطاع. الله يطرح فيهم البركة وفي كل أبناء الشعب الفلسطيني.
وأخيرا أقول كما قالت فرانشسكا ألبانيز، يجب أن تبقى كل الأنظار مسلطة على فلسطين، ولا ننسى.
فضلا عن تدمير ذاكرتها ومتاحفها ومعارضها وآثارها، وينضم إلى ذلك، حتى مقابرها. هل بقي شيء؟ نعم كامل البنية التحتية من صرف صحي، مياه، كهرباء، اتصالات، انترنت، تم تدميرها إلى قرب الرمق الأخير، الدفاع المدني وكل عدته كانت دوما هدفا سهلا ومستمرا، لا سيما عند محاولة إسعاف بعد غارة أو استهداف لدرجة دفن طواقم مسعفين أحياء بسياراتهم. وبعد ذلك تدمير أحياء بأكملها ومدن بأكملها وإسقاط أبراج بكاملها، مثل رفح وجباليا وجزء كبير من مدينة غزة التي كانت آخر ما استهدفه الاحتلال المجرم، وبعد ذلك ظهر ترامب في الصورة ليقول لهم: كفى لعبا يا عيال، نريد أن نبدأ الشغل.
ردة فعل العالم كانت متباينة، ولعل الصوت الرسمي الأعلى كان في السنة الأولى مع القضايا التي رفعتها جنوب إفريقيا على إسرائيل في محكمة العدل الدولية متهمة إياها بارتكاب حرب إبادة، ونتج عنها قبول 13 صوتا من 15 تأييد جنوب إفريقيا بالقول باحتمال أن ما يجري هو إبادة وأمرت إسرائيل بالالتزام بعدد من النقاط التي لم تفعلها، ثم رفع محكمة الجنايات الدولية قضية إدانة بجريمة حرب التجويع على رئيس وزراء الكيان ووزير دفاعه وثلاثة من قادة حماس الذين اغتيلوا فيما بعد، لكن العالم الغربي لم يتقيد بأحكام المحكمة والتفاصيل طويلة وقد كتبت عنها من قبل.
وبقي الجزء السياسي الرسمي من العالم، إلا من رحم ربي، ملتزما الصمت واستكمال تمويل الكيان الصهيوني بالسلاح والمال وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 69% من أسلحتها المتطورة والمليارات التي لم تتوقف، ثم ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، كندا، والهند.
في حين أن العالم العربي والإسلامي والذي تصدرته السعودية منذ اليوم الأول لجأ إلى العمل الدبلوماسي المكثف الذي طاف العالم يشرح القضية الفلسطينية ويطلب المساعدة على إيقاف الحرب مغيرا في مواقف كثير من الدول. وكان آخر مبادراته عقد قمة حل الدولتين مع فرنسا التي نتج عنها اعتراف 11 دولة جديدة بفلسطين في انعقاد الجمعية العمومية الثمانين للأمم المتحدة في 22 سبتمبر 2025 تنضم إلى السابقة، ليرتفع العدد إلى 159 دولة تعترف بها من بين 193 دولة. وفي فترة انعقاد الجمعية أعلن الرئيس الكولومبي تشكيل جيش دولي ليحارب الكيان الصهيوني بالتعاون مع جنوب إفريقيا، والرئيس الإسباني يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاستثمارية كافة مع الكيان الصهيوني.
أما العالم في جزئه المدني فقد انتفض. وقد استمر انتفاض الشعوب يأخذ مناحي أكثر جرأة وقوة كل يوم مع آلاف المظاهرات والاعتصامات في كل أنحاء العالم، وتعطيل مناسبات احتفالية متعاونة مع الكيان الصهيوني أو تحركات شحنات أسلحة أو مصانع أسلحة تمول الكيان، وكانت الأكثر جرأة هي سلسلة محاولات كسر حصار غزة عن طريق البحر من خلال أسطول الحرية الذي حاول خلال هذا العام أن يصل غزة في أربع محاولات، الأولى بأسطول مادلين، والثانية حنظلة، والثالثة أسطول الصمود العالمي الضخم المكون من 42 سفينة وقاربا بها حوالي 500 ناشطة وناشط من 44 جنسية، والأخيرة كانت أسطول الضمير من 8 سفن و70 ناشطا، ويحمل أطقما طبية وصحفية كرسالة تضامن مع هاتين الفئتين. وقد قامت دولة الكيان المجرمة بالاعتداء على كل هذه السفن في المياه الدولية ونقل ناشطيها إلى ميناء أشدود الفلسطيني الذي تحول إلى أشدود العبري، ومن ثم إلى سجون الكيان، حيث تعرضوا لاعتداءات وإهانات وإذلال ومحاكمات صورية، انعكست بمظاهرات في دولهم كافة يطالبون بإطلاق سراح رعاياهم الذين قاموا بدور كان يجب أن تقوم به الدول وليس أفراد من العامة مهما كانت خلفياتهم العلمية أو السياسية.
حراك شعبي كبير على مستوى العالم وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية وجامعاتها وشوارعها، انخفضت نسبة الشباب والكبار المؤيدين لإسرائيل بنسبة كبيرة جدا ارتفعت فيها بالمقابل نسبة المناصرين لفلسطين، كما بدأت الكثير من أقنعة الاحتلال وأكاذيبه تكتشف وتشيع، وقامت وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما التيك توك، بدور كبير في تعويض الفاقد الإعلامي الرسمي بالإعلام الشعبي المباشر من موقع الحدث بالصوت والصورة دون فلترة. ونشطت حركة المقاطعة BDS في أنحاء العالم وتضررت الكثير من الشركات والمؤسسات التعليمية المؤيدة للكيان لا سيما عسكريا واستيطانيا.
لكن اليوم أو الأمس نصل إلى ختام هذه الإبادة بمسرحية مؤلمة، خطاب استفزازي لترامب في الكنيست الإسرائيلي يمجد فيه نتنياهو، هو المطلوب من محكمة الجنايات الدولية، ويتأخر لأجله ولأجل تبادل بعض الأحاديث معه وربما عقد اتفاقيات في تل أبيب، مدة ساعة ونصف عن موعد وصوله إلى شرم الشيخ، حيث ينتظره أكبر وأقوى رؤساء ثلاثين دولة من كل أنحاء العالم، ثم يصل ليوقع اتفاقا لإنهاء الحرب بينه وبين مصر وقطر وتركيا، في غياب فلسطين، في غياب غزة، المعني الرئيس وهؤلاء يوقعون بالنيابة. فضلا عن الكلمة الأخرى التي ألقاها ترامب على المنصة والتي تحمل كثيرا من السخرية برؤساء العالم العربي منه والغربي. أما الخليجي فقد كان استهزاؤه بنا بربطنا بما نملكه من أموال، وكأنه عندما يرى شخصا في ثوب وغترة ومشلح لا يرى سوى صرر نقود وذهب. واعتذار ولي عهدنا عن حضور هذا المشهد في مكانه، أسعدنا وأعزنا. بالنسبة لترامب فإن الخليج عبارة عن منجم ذهب ونفط له حق فيه بأي شكل. واليوم يريد أن يفرض على الخليج وهم راضون، أن يمولوا إعادة إعمار غزة، وتكافأ دولة الاحتلال على ما اقترفت ودمرت في حين أنها المسؤولة أمام القانون الدولي بالإنفاق والبناء والحماية والعلاج والتعليم وكل ما يتناول الحياة الكريمة لما تحت يدها من أرض محتلة ومن تحتلهم.
وقفت الحرب وبدأ تبادل الأسرى وعاد العالم يسلط إعلامه على سجناء الحرب الذين يدعوهم رهائن، يستجدي بكاء أهاليهم وفرحة لقائهم وجمال حشود استقبالهم، بينما يتجاهل السجناء الفلسطينيين الذين هم في الواقع رهائن و85% منهم من غير قضايا ومنهم الأطفال والنساء والأطباء والصحفيون ممن خطفوا من غزة أو الضفة دون وجه حق، اعتقلوا وعذبوا وجوعوا وتركوا من غير علاج، ومنع أهاليهم من استقبالهم بأي شكل من أشكال الفرحة وبألا يزيد عدد مستقبليهم عن أهل بيتهم من الدرجة الأولى، فضلا عن المداهمات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي على كثير من بيوت أسر المحررين لتخويفهم وتخريب بيوتهم وإلقاء القنابل الغازية عليهم وبعضها يتسبب في حرائق دون أي تغطية أو اعتناء من اي وسيلة إعلام غربية. كانوا يوزعون على كل المحررين وأسرهم منشورات بالتعليمات الخاصة بالمحررين، لا استقبال، لا تعبير عن أي فرحة، لا تجمع، هذا فضلا عن الإبعاد. فحوالي 150 من المحررين تم اتخاذ القرار بإبعادهم إلى خارج الأراضي الفلسطينية. وللتأكد من كسر قلوب المحررين وأسرهم، يمنعونهم من السفر إلى خارج الضفة الغربية لمحاولة استقبال أحبائهم بعد تحريرهم. فالفلسطينيون في أي مكان في فلسطين هم مقيدو الحرية. لا شيء مما يجري على الجانب الآخر من السجون الإسرائيلية تتم تغطيته أو الإشارة إليه من قريب أو بعيد إلا النذر اليسير وعلى مضض. بالنسبة لترامب المشغول بمشاريعه القادمة في غزة، فإن الفلسطينيين هم آخر همه. أما القانون الدولي والإنساني فهو آخر ما كانت هذه الاتفاقية تنظر إليه أو تلتزم به. فقد تم كسر القانون الدولي في هذه الحرب على المستويات كافة أمام أعين العالم دون أن يهتز لقياداته جفن، إلا من رحم ربي. انتهاك القانون الدولي جاء في اقتراف الإبادة بشكل لم يسبقه مثيل على الملأ، في الاعتداء على سبع دول عربية وإسلامية بحجج واهية ودون أي وجه حق، فقط لأنها تستطيع. جاء الانتهاك في الاختطافات التي اقترفتها بحق ركاب سفن أسطول الحرية في المياه الدولية وما تلا ذلك من انتهاكات. في اختطافات المدنيين العزل من غزة وتجريدهم من ملابسهم وحملهم في شاحنات مكبلة أياديهم تحت الشمس والبرد إلى المجهول، انتهاكات يومية في الضفة الغربية من المستوطنين المستأسدين بحماية الجيش الإسرائيلي، بالقتل وحرق المحاصيل والاعتداء على البيوت والاستيلاء على الأراضي، وتهجير الجيش لسكان مخيمات الضفة وهدم بيوتهم وتجريف شوارعهم وبنيتهم التحتية. ومحصلة كل ما سبق أن هذه الدولة المارقة مرت بكل انتهاكاتها دون أي محاسبة وحتى اليوم، حيث توقع هذه الوثيقة وتلقى الكلمات الرنانة ويقف الرؤساء مصفقين ومهللين، لا توجد إشارة واحدة إلى محاسبة جرائم الحرب والإبادة. ويبقى الخوف الأكبر في أن يكون هذا الاتفاق كسابقيه، يخرقه الكيان الصهيوني دونما محاسب، واليوم تم قتل ستة فلسطينيين، ومنع فتح معبر رفح وتعطيل دخول شاحنات المساعدات، كدفعة أولية من انتهاكات اتفاق السلام.
مبارك إن شاء الله انتهاء الحرب، والرحمة للشهداء والشفاء للجرحى، والأمل في المستقبل صمود أبنائه ومئة ألف مولود جديد في القطاع. الله يطرح فيهم البركة وفي كل أبناء الشعب الفلسطيني.
وأخيرا أقول كما قالت فرانشسكا ألبانيز، يجب أن تبقى كل الأنظار مسلطة على فلسطين، ولا ننسى.