الرأي

أبناؤنا والمستقبل

أحمد مجرشي
قال لي زميلي أبو مالك 'أريد أن أتحدث معك في موضوع التربية' بزعمه يريد أن يستفيد من تجربتي المتواضعة كوني أبا ومعلما، لا أخفيكم شعرت لوهلة بالزهو أن يطلب مربٍّ فاضل مثل هذا الطلب، فوافقت على الفور لا لتحقيق هدفه بل لتحقيق هدف عندي هو لا يعلم عنه، وهو أنني أريد أن أثري تجربتي المتواضعة بمثل أفكاره، وأنا على يقين أني سأجد ما يفيدني في حديثه وقد وجدت ذلك بالفعل.

مثل هذه النقاشات تثري التجربة وتفتح العقل وتعطي خيارات متنوعة، بخلاف ما لو كنت تسير في تربيتك لأبنائك على ما في عقلك فقط من معلومات وتجارب.

ومثل ذلك سؤال سألنيه صديقي أبو باسل عندما قال 'هل سافرت أنت وابنك الصغير وحدكما؟' الحقيقة أنني لم أفكر في ذلك أصلا، فسفر العائلة كما هو معروف لدي أن نسافر جميعا، ولو كان عند أحدنا شغل ما كموعد اختبار أو مراجعة مستشفى نؤجل السفر حتى يكون الوقت متاحا للجميع، لكن ماذا لو سافرت مع ابنك أو ابنتك وحدكما؟ ولتكن سفرة قصيرة المدى والمدة، أعتقد أنها ستكون تجربة أكثر من رائعة للطفل، وسيتعلم منها الكثير، وسيكون الوقت متاحا لكما للحديث عن أمور كثيرة ربما لم تجد الوقت للحديث عنها في الأيام العادية، ناهيك عن التقارب الذي سيكون بينكما خصوصا في زمن عزلة الأبناء عن الآباء بسبب التقنية الحديثة التي أبعدت كثيرا من الأطفال عن أسرهم.

ومن الأمور التي عليك - أيها الأب - التوقف عندها أن تتتبع اهتمامات أبنائك لتهيئهم لمستقبل مشرق، أن تمكن ابنك أو ابنتك من خوض التجارب المختلفة، وتتابعه بعين فاحصة، ما التجربة التي أحبها؟ ما التجربة التي وجد نفسه فيها؟ ما التجربة التي تناسبه؟ ما التجربة التي لم تعجبه؟ ما التجربة التي كرهها؟ ثم التركيز على ما رأيت اهتمام ابنك فيها وتنميتها بتعليمه وتدريبه وغمره في بيئتها، بهذا ستصنع شابا ناجحا مبدعا، وتوضح له الطريق الذي سيسير عليه بناء على رغبته واختياره.

ولقد مرت ثقافة سابقة وأجيال سابقون بجمود في التفكير من هذه الناحية؛ بحيث يتربى الطفل على ادرس، خذ شهادة، توظف، ماذا يدرس؟ لا يهم. ما الوظيفة المناسبة له؟ لا يهم. ينبغي لهذه الثقافة أن تختفي وأن يحل محلها 'قيمة كل أمرئ ما يحسنه' وكما يقال 'الوالد صقار عياله' وأنا هنا أخاطب 'جيل الطيبين' الذي تربوا على الثقافة القديمة وعليهم أن يربوا أبناءهم على الثقافة الجديدة، فلله هم.

أعتقد أن المحرك الرئيس لهذا النهج في التربية هو طلب حياة كريمة للابن، خصوصا في الجانب المادي، وهذا لا جدال حول أهميته، والذي ينبغي أن يكون النقاش حوله هو الطريقة التي تريد أن توصل بها ابنك لهذا الهدف، فأنت - أيها الأب - قد تضره من حيث لا تعلم فعندما تجبره على تخصص ما بحجة أن مستقبله أفضل من التخصص الذي يرغبه الابن ويجد نفسه فيه لا تعلم كيف سيعيش حياته وفق اختيارك؟ لا بأس إن كان اختيارك مبنيا على أساس صحيح، فقد تكون أخضعت الابن لتجربة ورأيت منه محبة لهذا المجال وإبداعا فيه، أما إن كان اختيارك مبنيا على أنه الأفضل لديك أنت فقط قد لا يكون الأفضل لابنك.

والذي يجب أن نضعه نصب أعيننا أثناء تربيتنا لأبنائنا أن أرزاقهم مكتوبة، ومقدرة من قبل قدومهم إلى هذه الحياة، والذي علينا فقط أن نجتهد في بذل الأسباب، وأن ندعو الله تعالى لهم بالتوفيق، ولا نهلك أنفسنا عليهم، فالهداية والتوفيق بيد الله أولا وآخرا، فلم يقصر نوح عليه السلام في تربية ابنه وحصل له ما حصل، ولم يقصر إبراهيم عليه السلام في دعوة أبيه وحصل له ما حصل.