الرأي

بيئة العمل في المصانع السعودية نحو التحول الرقمي والتمكين الوطني

ناصر تركي الأحمري
تسعى المملكة العربية السعودية من خلال رؤية 2030 إلى تحقيق تحول شامل في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، ومن أبرز هذه القطاعات قطاع الصناعة. ويعد رفع مستوى ثقافة بيئة العمل في المصانع جزءا أساسيا من هذا التحول، حيث إن بيئة العمل لا تؤثر فقط على إنتاجية الموظفين، بل تلعب دورا محوريا في تعزيز الابتكار، السلامة، والاستدامة داخل المنشآت الصناعية.ثقافة بيئة العمل كما يعرّفها الكثير تشير إلى مجموعة من القيم والسلوكيات والممارسات التي تسود داخل المصانع والشركات، وفي مقالي أتحدث عن المصانع والشركات من واقع تجربتي، والتي تعد أكثر البيئات تعقيدا وتنوعا نظرا لطبيعة العمليات الإنتاجية وتعدد المهام وتداخل الأدوار بين الموظفين والفنيين والإداريين، مما لها الأثر الكبير على إنتاجية الموظفين ورضاهم الوظيفي بالإضافة إلى الجودة في الإنتاج.يعد تعزيز ثقافة بيئة العمل عنصرا جوهريا في رفع كفاءة الأداء وتحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية داخل المنشآت الصناعية. فبيئة العمل التي تقوم على قيم التعاون، الاحترام، والتحفيز تمكن الموظفين من تقديم أفضل ما لديهم، وتسهم في بناء علاقات مهنية فعالة تعزز من روح الفريق وتدعم جودة العمليات التشغيلية. إن التواصل المتبادل الفعال داخل بيئة العمل لا يخلق فقط مناخا إيجابيا، بل ينعكس مباشرة على جودة المنتج النهائي.وفي هذا السياق، تبرز جهود وزارة الصناعة والثروة المعدنية من خلال برامج نوعية مثل برنامج «صنع في السعودية»، الذي يشجع على التميز والجودة، ويعزز من الاعتزاز بالمنتج الوطني السعودي، مما يرسخ ثقافة العمل القائمة على الإبداع والانتماء.كما أن التحول الرقمي في بيئة العمل، والذي يعد أحد ركائز رؤية المملكة 2030، يمثل نقلة نوعية في تطوير المصانع والقطاعات الإنتاجية. فإدخال التقنيات الحديثة، مثل أنظمة التشغيل الذكية والذكاء الاصطناعي، لا يقتصر على تحسين بيئة العمل فحسب، بل يسهم في تقليل الجهد اليدوي، وزيادة الدقة، وتسريع العمليات، مما يعزز من كفاءة الأداء ويواكب متطلبات التنافسية العالمية.في ظل التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المملكة العربية السعودية، تبرز الحاجة الملحة إلى تمكين الكفاءات الوطنية في إدارة الأعمال الإدارية، لا سيما في القطاعات الصناعية التي تمثل ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني. إن شباب وشابات الوطن يمتلكون من الطموح والمعرفة ما يؤهلهم لتولي المسؤوليات القيادية، ويستحقون الثقة والدعم الكامل في هذا المسار.ورغم التقدير المستحق للخبرات الأجنبية التي ساهمت في تأسيس وتطوير العديد من المنشآت الصناعية داخل المملكة، إلا أن بعض هذه الكفاءات تركز على تنفيذ المهام التشغيلية وفق أهداف العمل المحددة، دون التفاعل العميق مع التوجهات الاستراتيجية الوطنية. في المقابل، تتميز الكفاءات السعودية بوعيها الكامل برؤية المملكة 2030، وحرصها على ترجمة أهدافها إلى ممارسات واقعية داخل بيئة العمل، سواء من خلال تبني التحول الرقمي، أو دعم الابتكار، أو توظيف التقنيات الحديثة بما يعزز الاستدامة والتنافسية. فالرؤية لا تقتصر على النمو الاقتصادي، بل تسعى إلى إعادة تشكيل بيئة العمل الصناعية لتكون أكثر ذكاء، مرونة، وارتباطا بمستقبل المملكة.على سبيل المثال، يعد استخدام الرقمنة والبرمجيات الذكية من أبرز أدوات تحسين الإنتاجية، حيث تساهم في تسريع العمليات، وتقليل الأخطاء، وتحقيق مستويات عالية من الدقة والكفاءة. وقد عززت المملكة هذا التوجه من خلال تأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، التي تعمل على ترسيخ استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، وتطوير حلول رقمية مبتكرة، وتحليل البيانات الضخمة في وقت قياسي.في ظل التحول الوطني الطموح لا يمكن إغفال الدور الريادي الذي تقوم به القيادات السعودية في القطاع الصناعي، ممن آمنوا بقدرات أبناء الوطن، وحرصوا على بناء بيئة عمل متطورة ومحفزة ومواكبة لأعلى المعايير العالمية. لقد أثبت قيادتنا أن التمكين الحقيقي يبدأ من الداخل وتبني الأفكار نحو الاستدامة التنافسية. كل التقدير للقيادات الوطنية التي جعلت من المصانع السعودية بيئات عمل نابضة بالحياة.