جيل اليوم بين "الكالسيوم والهشاشة"
الأربعاء / 23 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 01:12 - الأربعاء 15 أكتوبر 2025 01:12
تحتفل الأوساط الصحية يوم الاثنين المقبل 20 أكتوبر 2025 باليوم العالمي للتوعية بهشاشة العظام، ذلك المرض الصامت الذي بات يهدد أجيال اليوم نتيجة التحولات الكبيرة في أنماط الحياة، والعادات الغذائية غير الصحية، وتراجع النشاط البدني بين الأطفال والمراهقين.وتعتبر هشاشة العظام عند الأطفال من الحالات المقلقة لأنها تؤثر على النمو وقوة العظام في مرحلة مبكرة من الحياة، إذ تحدث عندما تقل كثافة العظام أو تصبح ضعيفة وسهلة الكسر، وهناك عدة عوامل لحدوث هذه الهشاشة عند الأطفال، ومنها الأسباب الغذائية كنقص الكالسيوم، فكما هو معروف أن الكالسيوم عنصر أساسي لبناء العظام، ونقصه في الغذاء يؤدي إلى ضعف في الكتلة العظمية، ويحدث ذلك بسبب قلة تناول الحليب ومشتقاته أو الأطعمة الغنية بالكالسيوم، وأيضا نقص فيتامين (د) الذي يساعد الجسم على امتصاص الكالسيوم، وقلته تسبب ضعفا في العظام، وغالبا ما يرتبط بقلة التعرض لأشعة الشمس أو سوء التغذية، وبجانب ذلك هناك سوء التغذية العامة، فنقص البروتينات والمعادن الأخرى مثل الفوسفور والمغنيسيوم يؤثر على تكوين العظام ونموها الطبيعي.ومن العوامل المؤدية لحدوث هشاشة العظام عند الأطفال هي الأسباب الوراثية، فبعض الأمراض الوراثية مثل تكون العظم الناقص تجعل العظام هشة وقابلة للكسر بسهولة حتى مع الإصابات البسيطة، ومن العوامل أيضا الأسباب المرضية، كالأمراض المزمنة مثل أمراض الكبد أو الكلى المزمنة التي تؤثر على امتصاص الكالسيوم وفيتامين (د)، وكذلك اضطرابات الهرمونات مثل نقص هرمون النمو أو اضطرابات الغدة الدرقية، حيث تؤثر على بناء العظام وتجديدها، وبجانب ذلك هناك أمراض الجهاز الهضمي مثل الداء البطني (السيلياك) الذي يعيق امتصاص العناصر الغذائية الأساسية، كما أن الاستخدام الطويل لبعض الأدوية مثل الكورتيزون قد يؤثر سلبا على صحة العظام، ومع كل ما سبق هناك بعض العوامل المرتبطة بنمط الحياة والعادات الخاطئة، إذ تؤدي إلى حدوث هشاشة العظام عند الأطفال مثل الإكثار من المشروبات الغازية لاحتوائها على الفسفور، والاعتماد على الوجبات السريعة وقلة تناول الفواكه والخضراوات، وقلة النوم وضعف التعرض للشمس في أوقات الصباح، والجلوس في مكان واحد لفترات طويلة بصحبة الأجهزة الالكترونية ودون حراك.ولا نختلف في الرأي حول تغير 'ثقافة الغذاء' في جميع المجتمعات خلال العقود الأخيرة، إذ طغت الوجبات السريعة بشكل لافت للنظر ومعلبات الأغذية الجاهزة والمشروبات الغازية على جميع الموائد، ما أدى إلى عزوف مختلف الشرائح العمرية ومنهم جيل اليوم عن تناول الطعام الصحي الغني بالعناصر الغذائية المفيدة، وهذه الظاهرة انعكست سلبا على صحة الأبناء، فأصبح كثير من الأطفال لا يحصلون على الكالسيوم والفيتامينات والمعادن الأساسية لنمو العظام، مما رفع خطر هشاشتها وضعفها في سن مبكرة.وما يجهله الغالبية العظمى من أطفال جيل اليوم أن الكالسيوم يعتبر من أهم المعادن التي يحتاجها جسم الإنسان، إذ يحتوي العظم وحده على نحو 99% من مخزون الكالسيوم في الجسم، ويسهم في بناء وتقوية العظام والأسنان، ويؤدي أدوارا أخرى حيوية تشمل تنظيم ضربات القلب، وتخثر الدم، ونقل الإشارات العصبية، وانقباض العضلات، ولكن الجسم لا يستطيع إنتاج الكالسيوم ذاتيا، بل يعتمد كليا على الغذاء اليومي لتعويض الفاقد، وعند نقص استهلاكه أو ضعف امتصاصه، يبدأ الجسم في سحب احتياجاته من العظام، مما يؤدي تدريجيا إلى فقدان كثافتها وهشاشتها بمرور الوقت.ولا يكتمل بناء العظام بالتغذية وحدها، فالنشاط البدني المنتظم ولعب الأطفال في الهواء الطلق من الأمور الضرورية والمهمة، فذلك يساعد على تحفيز الخلايا العظمية وتجديدها، كما أن البروتين المعتدل، خصوصا من مصادر طبيعية يسهم في تكوين الكولاجين الذي يشكل الإطار البنائي للعظام.وأخيرا ما يجدر التنويه له أن المنظومة الأسرية تلعب الدور الأكبر في بناء صحة أطفالها، فهي البيئة التي تشكل عاداته الغذائية وسلوكياته اليومية، فتعزيز صحة عظام الأبناء يبدأ من داخل المنزل من خلال غرس مفاهيم التغذية السليمة والنشاط البدني المنتظم في وجدانهم، ويتمثل دور الوالدين في توفير وجبات متوازنة غنية بالكالسيوم وفيتامين (د)، وتشجيع الأبناء على تناول الحليب ومشتقاته، بدلا عن المشروبات الغازية أو الأطعمة السريعة التي تضعف امتصاص الكالسيوم، كما ينبغي على الأسرة تشجيع الأطفال على الحركة واللعب في الهواء الطلق، لما لذلك من أثر إيجابي في تحفيز نمو العظام وتقويتها، ومن المهم أيضا أن يتحلى الأهل بالقدوة الحسنة؛ فحين يرى الأبناء والديهم يتبعان نمطا غذائيا صحيا ويهتمان بالنشاط الرياضي، فإنهم يكتسبون تلك العادات بشكل طبيعي ومستمر، كما تسهم الرقابة الأسرية الإيجابية في الحد من السلوكيات التي تضعف العظام، مثل السهر الطويل، أو الجلوس المفرط أمام الشاشات، أو إهمال وجبات الطعام الأساسية.الخلاصة: مرض هشاشة العظام لم يقتصر على الكبار فقط، فمع التحديات الصحية واتباع نمط حياة غير صحي أصبح جيل اليوم من الأطفال مهددين بالمرض، وتظل الوقاية خير من العلاج عبر التغذية السليمة واتباع نمط حياة صحي والرياضة، ويبقى وعي الأسرة وتعاون أفرادها هو الأساس في الوقاية من مرض الهشاشة، وضمان نمو أطفال أقوياء يتمتعون بصحة بدنية متينة تؤهلهم لمستقبل أكثر نشاطا وحيوية.