الرأي

جدة... من سكون البحر إلى يقظة المدينة

محمد إدريس
كنتَ تظن أن هذه المدينة ستبقى أسيرة التكرار، محصنة ضد الدهشة، تدور في دوامة الخواء نفسها... مبانيها تهدم لتبنى، وشوارعها ترصف لتعاد، وأحلامها تكتب ثم تمحى مع أول غيمة صيف.لكن شيئا ما تغير... تغير بعمق لا يمكن أن تصنعه المصادفة، ولا يرسم في يوم وليلة على دفتر مشاريع ملونة.منذ سنوات، كانت جدة تواجه الاتهامات ذاتها: بطء، فوضى، وتراكم هموم عمرها من زمن الطين والمجاري المكشوفة، إلى زمن العناوين اللامعة. واليوم، تتصدر المرتبة 74 عالميا في مؤشر جودة الحياة لعام 2025، كأعلى المدن السعودية، والثانية عربيا بعد مسقط. ليست هذه الأرقام مجاملة دولية، بل شهادة لما يحدث على الأرض: أمانة تشتغل بصمت، ومشروعات تتنفس في الواجهات والحدائق والممرات، ومدينة تتحول إلى لوحة يومية من حياة الناس.كان لا بد أن يكون خلف هذا التحول رجل مختلف في الرؤية والممارسة؛ رجل جعل من الإدارة عملا يتجاوز الروتين إلى الإبداع. ذلك هو معالي أمين جدة صالح التركي، الذي قاد هذه المدينة كما يقاد حلم كان يوشك أن يضيع. لم يرفع الشعارات، بل أعاد ترتيب المشهد من البحر إلى الحي، ومن الممر إلى الفكرة. صارت الواجهات البحرية مرايا زرقاء تعكس جدة الجديدة، وصار المشي على شواطئها تجربة حياة لا نزهة عابرة.لم تكن الصورة وردية بين يوم وليلة، لكنها اليوم واقعية بقدر ما كانت يوما أمنية. جدة التي كانت عنوانا على «ما كان يجب أن يكون»، صارت وجها مشرفا للوطن؛ مدينة تعرف قيمتها، وتستحق مكانتها بين مدن العالم.النقطة تحت السطر:حين تصحو جدة من سكونها، لا تكتفي بأن تتنفس... بل تعلم المدن كيف تولد من جديد.