الرأي

برنامج "حضوري" الجديد للمعلمين: بين الفكرة والتطبيق

نواف التبيناوي
جاء إطلاق وزارة التعليم لبرنامج 'حضوري' كخطوة تنظيمية تهدف إلى ضبط حضور المعلمين وانصرافهم، وتعزيز الانضباط في البيئة المدرسية. وهي فكرة لا تخلو من وجاهة، إذ تعكس رغبة في رفع مستوى الالتزام وتحسين آليات المتابعة، وإيجاد أداة موحدة تسهل مهام الإدارات التعليمية. غير أن الفكرة شيء، والتطبيق على أرض الواقع شيء آخر. فالبرامج التنظيمية لا تحكم بظاهرها أو بأهدافها المعلنة، بل بمدى انسجامها مع اليوم الدراسي للطلاب والمعلمين، ومدى واقعيتها في ظل ظروف الميدان التعليمي المتباينة بين المدن والقرى.

المعلم ليس موظفا مكتبيا؛ يبدأ يومه بالإشراف على الطابور منذ الصباح الباكر، ثم يتنقل بين خمس حصص دراسية على الأقل، إلى جانب إشراف الفسحة ومتابعة الانضباط، وعند حلول الظهيرة يكون قد استنزف طاقته الذهنية والجسدية بالكامل. ومع ذلك يطلب منه أن يبقى في المدرسة ساعة إلى ساعة ونصف إضافية لا ترتبط بأي نشاط تعليمي، لتتحول الفكرة من وسيلة للانضباط إلى مشقة مضاعفة تزيد من معاناة الميدان. ويزداد الضغط على المعلم الذي يقطع مسافات طويلة يوميا من منزله إلى المدرسة، إذ إن الفترة التي يلزم بالبقاء فيها بعد خروج الطلاب تكفيه غالبا ليصل إلى بيته ويستعيد بعضا من نشاطه المهدور في الحصص والإشراف.

كما أن المعلم يبدأ يومه منذ السادسة والربع صباحا، ويغادر المدرسة عند الواحدة والربع ظهرا تقريبا. توقيت خروجه يتزامن مع ذروة حركة المرور، مما يضيف عبئا مروريا غير مبرر. ولا يغيب عن الذهن أن أعداد المعلمين والمعلمات والإداريين في المدارس تتجاوز 600 ألف، وهو رقم يعكس حجم الضغط المروري المضاف يوميا. إن دقائق قليلة من التباطؤ لكل مركبة، إذا اجتمعت على هذا العدد الكبير، تتحول إلى طوابير خانقة وزحام متكرر، وتزيد تبعا لذلك احتمالات الحوادث في المدن الكبرى التي تعاني أصلا من اختناقات مرورية حادة.

وفوق ذلك، فإن إلزام المعلمين بالبقاء في المدرسة أكثر من ساعة بعد مغادرة الطلاب يعني تشغيل الكهرباء والتكييف والإضاءة في آلاف المدارس دون أي جدوى تعليمية. ما يحدث في الواقع هو هدر للموارد في وقت تسعى فيه الدولة إلى ترشيد الاستهلاك ضمن رؤية 2030، حيث يفترض أن توجه النفقات لما يرفع الكفاءة وجودة التعليم. فبدل أن يستثمر هذا الوقت في نشاط فعلي يخدم الطلاب، يتحول إلى فراغ مكلّف يرهق الموازنات المدرسية.

من حيث المبدأ، لا اعتراض على وجود برنامج يرصد حضور المعلمين ويجعل الانضباط أكثر دقة. غير أن الإشكال يكمن في فصله عن جوهر العملية التعليمية: وهو الطالب. فمتى ما غادر الطالب، انتهى عمل المدرسة بأكملها، كما هو معمول به في السابق، وعليه فإن الحل ليس في إلغاء البرنامج، بل في إعادة ضبطه ليتوافق مع جداول الطلاب، بحيث يظل 'حضوري' وسيلة تنظيمية داعمة، لا عبئا زائدا يثقل الميدان ويضعف حيوية المعلم.