الرأي

الغارة الجوية على دولة قطر... لماذا وقعت؟ وحتى لا تتكرر

مصلح معيض مصلح
الهجوم الغادر من الكيان المحتل على دولة قطر في التاسع من سبتمبر الماضي حادثة مفاجئة لجميع الأوساط السياسية والشعبية على مستوى المنطقة العربية، ولا سيما أن الهجوم كان على دولة تعمل وسيطا بينه وبين حركة حماس، إضافة إلى أن استضافة دولة قطر لحركة حماس جاءت بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية، وما زاد من القلق والحيرة والاستغراب على المستويات كافة أن يحدث هذا الهجوم في ظل العلاقة المتميزة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة قطر التي تحتضن أكبر قاعدة لها في المنطقة.إلا أن الحقيقة تتجلى عند الغوص في واقع الكيان المحتل، مما يحتم علينا في ظل هذا الواقع ألا نستغرب ما جرى بل علينا أن نتوقع تكرار مثل هذا الهجوم على أي دولة عربية أو إسلامية وإن كانت على علاقة مع الكيان المحتل؛ لأنه يدرك جيدا أنه شريط غريب مزروع بالقوة في محيط شاسع متجانس يختلف عنه جذريا دينا ولغة وثقافة، ويدرك أيضا صعوبة اندماجه فيه أو التعايش معه، ولهذا فهو يرى أن المحيط العربي والإسلامي مجال معادٍ له؛ ومن هنا لن يستثني أي دولة بالعدوان متى يرى ذلك ضروريا وممكنا؛ وهذا ما قاله «نتنياهو» بشكل صريح ومعلن بعد العدوان على دولة قطر؛ فالكيان المحتل يرى أن الهيمنة على المنطقة تكتب له الحياة، وما يقوم به من اعتداءات على سوريا بعد نجاح الثورة السورية وسقوط نظام الأسد خير شاهد على ذلك.توسيع الكيان المحتل نفوذه في المنطقة مسألة استراتيجية؛ ولهذا فإنه لن يترك مجالا ولن يألو جهدا يرى أنه من خلاله يمكن أن يحقق أهدافه؛ والأدلة على ذلك كثيرة ومتعددة؛ فمن الأهداف التي يسعى لتحقيقها ما يعرف بـ»إسرائيل الكبرى» وهذا هدف ثابت لن يتخلى عنه وليس مسألة تجاوزتها الأحداث كما يدعي ذلك بعض المحللين السياسيين، فهذا ما أكده «نتنياهو» مؤخرا، وما سبق أن حذر منه السياسي والدبلوماسي العريق عمرو موسى. علما أن من استراتيجيات الاحتلال عدم وجود حدود مرسومة ومعروفة بهدف التوسع المستمر كلما أتيحت له الفرصة كما يفعل الآن في جنوبي سوريا. وفي هذا الاتجاه أطلق الكيان المحتل قبل أسابيع القمر الصناعي «أوفيك 19» وهو قمر صناعي متطور ومكلف بدرجة كبيرة لمساره المعاكس لاتجاه دوران الأرض ولتقنياته العالية واستهلاكه الكبير للوقود، وذلك لرفع مستوى التجسس على المحيط العربي والإسلامي. وبلغت أهداف الكيان ومد نفوذه إلى إنشاء جامعة في «تل أبيب» سماها الجامعة الإسلامية لتخريج متخصصين في الشريعة الإسلامية من اليهود؛ وإرسالهم كدعاة إلى الدول العربية والإسلامية.وفيما يخص طبيعة العلاقة التي يسعى لها الكيان مع الدول العربية بما في ذلك الدول الخليجية فيمكن القول وبشكل مؤكد إنه لا يسعى لعلاقات احترام متبادل وتعايش مستمر وإنما يسعى من وراء تلك العلاقات إلى إيجاد محطات في دول الخليج والبلدان العربية لهدف واحد وهو التجسس؛ والسفارات والشركات تمثل المحطات الأساسية لفتح نوافذ للتجسس وجذب العملاء وتجنيدهم، وتحقيق ذلك في دول الخليج مهمة سهلة للأعداد الكبيرة من العمالة التي تأتي من بلدان فقيرة يمكن استدراج أفراد منها بالمال بسهولة.على أية حال؛ فإن الهجوم على دولة قطر يمكن أن يستفاد منه في مراجعة استراتيجيات الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص مراجعة سياسية واقتصادية وعسكرية شاملة بما يحقق القوة والمناعة والردع ضد أي استهداف أو عدوان في المستقبل حتى لا يتكرر ما وقع في قطر، فلن تضحي الدول الكبرى بأبنائها وقواتها من أجل هذه الدول؛ وهنا نستذكر ما قاله المبعوث الأمريكي في المنطقة عن طبيعة علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بدول المنطقة حيث قال: لا يوجد حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ولكن يوجد لها مصالح فقط.ففيما يخص الجانب السياسي تبرز أهمية التوازن في العلاقات الدولية بحيث تكون علاقات دول الخليج والدول العربية الأخرى مع الدول الغربية في مستوى علاقاتها نفسه مع دول العالم الأخرى، خاصة الدول المؤثرة مثل الصين وروسيا والبرازيل، بحيث لا تستمر الكفة راجحة لصالح الدول الغربية، وهذا التوازن يتيح للدول العربية خيارات مفتوحة لخدمة مصالحها دون ضغوط من أية جهة؛ وهو الوضع الذي سيفرض على الدول الأخرى سواء الدول الغربية أو الدول الشرقية مراعاة طبيعة علاقاتها مع دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى حتى لا تفقدها لصالح الدول الأخرى.أما بالنسبة للمجال الاقتصادي والتعامل التجاري، فهذا المسار مما سيغذي هيمنة الكيان المحتل على المنطقة؛ ويدعم قدراته في حالة إتاحة الدول الخليجية هذا المجال، إذ إن إبقاء البوابة الاقتصادية موصدة مع الكيان يساعد في الحد من طموحاته ويضعف محاولات هيمنته ويبقي على مشكلاته الاقتصادية، كما أن إغلاق هذه البوابة سيقلص من الهجرة اليهودية إلى فلسطين ويسهم في زيادة الهجرة المعاكسة منها؛ إذ إن هجرة اليهود إلى فلسطين تأتي بشكل رئيسي من بلدان أوروبا الشرقية خاصة بولندا وأوكرانيا ومولدوفا، وكذلك روسيا نتيجة الواقع الاقتصادي في تلك البلدان وما تعانيه من مشكلات اقتصادية.وعلى الصعيد العسكري؛ يثير الهجوم على دولة قطر الشكوك في فائدة وجود القواعد العسكرية الغربية عموما في دول الخليج، ويثير التساؤلات حول جدواها؛ فهي لم تحقق الهدف من وجودها في الحالة القطرية بالرغم من وجود أكبر قاعدة غربية فيها، وخاصة أنه يصعب القول بعدم قدرتها على رصد الطائرات والصواريخ التي استهدفت قادة حماس في الدوحة.تحالفات دول الخليج مع القوى الإقليمية خطوات في الاتجاه الصحيح؛ ولكنها تبقى عوامل مساعدة إذ إن ما يحميها يكمن في قوتها الذاتية، وفي مقدار ما تنتجه من الصناعات العسكرية؛ وتحقيق ذلك ليس من المستحيلات، خاصة صناعة الصواريخ والطائرات المسيرة، فهذه الأنواع من الأسلحة يمكن إنتاجها لأنها لا تحتاج إلى قدرات فائقة مثلما يحتاج تصنيع الطائرات، وهي أسلحة مؤثرة وغير مكلفة وأثبتت الحروب الأخيرة فعاليتها العالية وتكلفة مواجهتها، وقد استطاعت تصنيعها بعض الدول من خارج منظومة الدول الصناعية بكفاءة عالية وتصديرها.moslehmoied@