المرأة الإيرانية والنسوية الإسلامية
الخميس / 17 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 03:31 - الخميس 9 أكتوبر 2025 03:31
في عودة إلى المرأة الإيرانية وما كتب عنها أو بها، أكتب اليوم عن الكتاب الثاني الذي كنت قد ذكرته لكم أنه يقدم المقابل لكتاب البرز غاندهاري (الذي اتضح أنه رجل وليس امرأة كما ظننت سابقا). فالكتاب الثاني يتناول المرأة الإيرانية من وجهة نظر إسلاموية نسوية، في وجهة نظري، ولم تستخدم الكاتبة هذه التسمية ولكن هذا ما يطلق على ما يمثله هذا التيار كما سأشرح فيما يلي. الكتاب من تأليف سامانه أُولادي Oladi, Samaneh الأستاذة المساعدة للدراسات الدينية في جامعة فيرجينيا كومونولث بالولايات المتحدة الأمريكية، بعنوان «نساء، إيمان وأسرة: استعادة العدالة الجنسانية من خلال النضال الديني» Women, Faith, and Family: Reclaiming Gender Justice Through Religious Activism. ونشرته مطبعة جامعة كاليفورنيا عام 2024. الغريب أن الكاتبة لم تضع إيران في العنوان بأي شكل، فضلا عن أن الدين أيضا لم يحدد في العنوان، مما يشكل في وجهة نظري حذفا قد يكون مقصودا لتعميم المفهوم ولينسحب إلى بقية المجتمعات والأديان أو غير مقصود.الموضوع الأساسي للكتاب هو إشكالية النسوية ومقارنتها بالنسوية الإسلامية وتقديم النضال المبني على الإيمان faith-based كبديل لنشر العدالة الاجتماعية للنساء والرجال على حد سواء. وترى أن النضال المبني على الإيمان يرد على تحديات السلطة والتغيير، كما أن هذا النضال يعيد موضعة المرأة المسلمة من النسوية العالمية بجعل موضوعها مركزا وليس طرفا لا دور له في النضال العالمي. وقد قامت الكاتبة لأجل ذلك باستعراض تاريخ إيران الحديث من قبل الثورة وحتى اليوم، كما فعل البرز غاندهاري، لكن من وجهة نظر أخرى، وجهة النظر الإسلامية التي وجدت في الثورة إعادة اعتبار للمجتمع وإيمانه وللدين الإسلامي وقيمه. لكنها وأثناء استعراضها للفترات المختلفة التي مرت بالمرأة الإيرانية منذ عام 1979 وجدت أن تحولا أصاب المؤسسة السياسية والدينية ووعودهم بالعدل والمساواة والتي أخذت تتضاءل مع مرور السنين وزيادة التضييق على المرأة وفي أوقات كثيرة باسم الدين.ومع تركيزها على تجربة منظمة «ائتلاف المرأة المسلمة» فإن المحرك لهذا الائتلاف كيفية تناوله لقضايا قانون الأحوال الشخصية أو قانون الأسرة الذي كرس الكثير من المفاهيم الذكورية التقليدية على حساب مفاهيم العدالة الاجتماعية والمساواة التي نادى بها الإسلام. فقمن عبر العقود الماضية بتطوير ثقافتهن الدينية حتى وصلن إلى درجة الاجتهاد ودخلن في دائرة اتخاذ القرار الديني، لكن ليس إلى هذا الحد وإنما إلى درجة مناقشة ومحاججة رجال الدين من منطلق ديني وفقهي متمكن من النص وكل شروحاته التفسيرية والفقهية.وقد تصدر عدد من السيدات هذا المشهد الديني مثل: مريم بهروزي، رئيسة الائتلاف وأول امرأة تنتخب في برلمان الثورة الإسلامية، سهيلة جليودارزاده، مصلحة وعضوة برلمان لثلاث دورات وعضوة في حزب العمل الإسلامي، معصومة ابتكار، أول امرأة نائبة للرئيس الإيراني والرئيسة السابقة لوزارة البيئة ومؤسسة معهد دراسات المرأة، شاهين دوخت مولافردي أو مولاوردي، نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة، وزهراء شوجاعي، محللة سياسية ومنادية بحقوق المرأة. وقد حصلت العديد من النساء أيضا على مكانة دينية من خلال صلتهن الأسرية برجال دين بارزين كبنات الرئيس طالقاني ورفسنجاني.وقد صعدت هذه الفئة من المجتمع إلى السطح بعد الثورة بعدما كانت مهمشة قبلها من قبل القوى العلمانية. وقد ساعدت الصلات بدوائر السلطة والدين في تقوية موقع هؤلاء النساء، لكن بالإضافة إلى ذلك كان لديهن إيمان بالعدالة الجندرية/الجنوسية، فسعين لتغيير المواقف الذكورية من داخل نطاق الإسلام الشيعي، منادين بفقه المرأة وبتمكين المرأة وبالقضاء على التمييز، وإعلاء شأن الأخلاق الإسلامية وتقوية أواصر الأسرة.واستكملت «أولادي» الكتاب بأن قامت بعقد مقابلات معمقة مع أقوى نساء الجمهورية ثم بمناقشة أفكارهن ووسائلهن التي اعتمدنها في مجادلة رجال الدين أو رجال السياسة لإحداث التغيير الذي آمنّ به. وقد نجحت هؤلاء النساء على الرغم من تشدد بعضهن وما يبدو من تقليديتهن، لكنهن كن واضحات تجاه العدالة للنساء. وكان مما حققنه إصلاحات مهمة في القوانين التمييزية الخاصة بالطلاق والتقاعد. وقد أشارت الكاتبة إلى وسائل كانت تستخدمها السلطة بتحييد النساء من خلال تيسير تعيين أو انتخاب امرأة هنا أو هناك لكف العين عن الاعتراض مما يخلق حالة من استخدامهن الرمزي من جانب وحالة من استضعافهن نظرا لكونهن أقلية في محيط من الرجال فتتحول بعض النساء ضد نفسها. لكن هذه الآلية تم إدراكها والتعامل معها مع مجموعة الائتلاف.وما لفت نظري في هذه الحوارات والوسائل التي لجأن إليها أو النقاشات التي خضنها أن هناك شبها كبيرا بينها وبين كثير من النقاشات التي كانت تجري على صفحات صحفنا في التسعينات وبداية الألفية من منافحة المواقف الدينية بحجج دينية مقابلة تعتمد على بحث النساء وقراءتهن في النصوص ومراجعتهن للطروحات الفقهية البشرية والتمييز بينها وبين ما هو مقدس وما هو قابل للمناقشة والدحض فيما يخص حقوق النساء وإنسانيتهن والعدالة تجاههن، مع استحضار نساء التاريخ الإسلامي وبالأخص زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته وصحابته، والفارق أن منطلقنا كان سنيا ومنطلقهن كان شيعيا.وازدادت قوتهن بعد الثورة ودخول المرأة قطاع التعليم بأعداد كبيرة فاكتسبن علما لم يكن متاحا لهن من قبل، ووصلت نساء كل الطبقات إلى التعليم بعد أن كان متاحا بالدرجة الأولى للطبقة الوسطى والعليا.وكان قانون الأسرة قد دخل في التشريعات الإيرانية في عصر الشاه محمد رضا بهلوي ضمن مشروعه الحداثي، لكن كل ما قام به فيما يتعلق بالمرأة هو نزع الشادور والتعليم الذي لم يرتبط بتمكين النساء من اتخاذ القرار. بينما تم استيراد قوانين الأسرة من القوانين الأوروبية الحديثة لا سيما الفرنسية، وجزء من كتب الفقه غير المغربلة والتي تفتقد للعدالة لا سيما فيما يخص الزواج المتعدد، الميراث، أو الطلاق. وهذا القانون هو ساحة السجال المستدام في الأوساط الإيرانية كما هو في العالم العربي والإسلامي، حيث تتساءل عن عدالة الإسلام ويحاولن إعادة صياغة القوانين الجائرة في حق النساء سواء ما كان من إنتاج الفقهاء أو كان أوروبيا مستوردا. وتعيد المرأة الإيرانية المحافظة صياغة حقوقها من داخل إطار الإسلام بكل قوة وتمكن قاطعة الطريق أمام من يحتج بالتغريب أو استيراد المفاهيم الأجنبية أو الجهل.ويدخل الكتاب في تفاصيل الاستراتيجيات التي اتبعتها المرأة الإيرانية في انتزاع حقوقها وفق الشريعة الإسلامية وما وافق العدالة الاجتماعية مستنفرة كل أدواتها العلمية والعملية والتنظيمية، حتى استطاعت تحقيق كثير من الاختراقات القانونية الإيجابية لصالح النساء بالتعديلات التي أضيفت على قانون الأسرة وتطبيقاته. وإن كانت المرأة السعودية لم تخض بعد بقوة في مراجعة نظام الأحوال الشخصية نظرا لحداثته حيث صدر عام 2022 فحسب، إلا أنها كانت تتناول قضاياه قبل ذلك وتستخدم في حججها الكثير من الآليات التي استخدمتها المرأة الإيرانية للوصول لحقوقها الشرعية. ولذلك تعد المحاججة المنطلقة من فهم النصوص وطروحات الفقهاء واختلافاتهم وفهم الواقع المعاش، لتقديم قراءة تساهم فيها المرأة لإنصاف النساء في مشاركتهن لهذا الدين الذي يتساوين فيه مع الرجل أمام الله في الثواب والعقاب، منهجا فكريا جديدا يطلق عليه النسوية الإسلامية.