الرأي

الشخصيات الكرتونية ووجبات الأطفال 

عبدالمعين عيد الأغا


في عصر الإعلام الرقمي والفضائيات الموجهة للأطفال، لم تعد «الشخصيات الكرتونية» مجرد أدوات للترفيه، بل تحولت إلى «سفراء تسويق» تستخدمهم معظم الشركات لجذب الصغار إلى منتجاتها الغذائية، والمقلق أن معظم هذه الإعلانات تروج لأطعمة غير صحية مليئة بالسكريات والدهون والأملاح، مما يضع الأطفال في مخاطر صحية عديدة.

وأحسنت هيئة الغذاء والدواء عندما منعت ضمن لائحتها الفنية في جانب التسويق والإعلان لوجبات الأطفال في المنشآت التي تقدم الطعام للمستهلك خارج المنزل، استخدام الشخصيات الكرتونية أو الخيالية أو الرموز الجاذبة للأطفال في تسويق الوجبات سواء داخل المنشأة أو عبر الإعلانات والمنصات الرقمية، بينما يمكن تقديم الهدايا أو الألعاب الترويجية كحافز لشراء الوجبات التي لا يتجاوز فيها محتوى العناصر الغذائية من (الدهون، الدهون المشبعة، الصوديوم والسكر المضاف) النسب التالية: الدهون الكلية أكثر من 30% من إجمالي الطاقة لكل 100 غرام أو 100 مل من المنتج، أو ألا تتجاوز الدهون المشبعة أكثر من 10% من إجمالي الطاقة لكل 100 غرام أو 100 مل من المنتج، أو ألا يتجاوز السكر المضاف أكثر من 5% من إجمالي الطاقة لكل 100 غرام أو 100 مل من المنتج، أو ألا يتجاوز الصوديوم أكثر من 400 مليغرام لكل حصة غذائية.

ولا شك أن الأطفال بمختلف الشرائح العمرية يتأثرون كثيرا بالإعلانات المرئية وخصوصا إذا كان أطرافها «شخصيات كرتونية» لعدة اعتبارات ومنها الارتباط العاطفي بالشخصية الكرتونية، فعندما يرى الطفل بطله الكرتوني المفضل وهو يتناول نوعا معينا من الطعام، يترسخ في ذهنه أن هذا الطعام «جيد» أو «ممتع»، مما يزيد رغبته في الحصول عليه، وأيضا الإلحاح على الوالدين، فالطفل غالبا ما يُصر على والديه لشراء المنتجات المعلن عنها، حتى وإن كانت غير صحية، لأنه يربطها بالتسلية والمرح الذي تمثله الشخصية الكرتونية، بالإضافة إلى تشكيل العادات الغذائية المبكرة، فمع التكرار المستمر لمثل هذه الإعلانات، قد يعتاد الطفل على اختيار الأطعمة غير الصحية، مما يؤثر سلبا على صحته الجسدية ويزيد من مخاطر السمنة وأمراض العصر مع مرور الوقت، وبجانب كل ما سبق هناك عامل التأثير النفسي والسلوكي، فالطفل يقتنع بأن تناول هذه المنتجات يجعله أقرب لشخصيته المفضلة، وهذا يعزز سلوك «الأكل العاطفي» بدلا من «الأكل الصحي الواعي».

وكشفت العديد من الدراسات العالمية التأثير المباشر الذي تلعبه الشخصيات الكرتونية على الأطفال في جانب تناول الأطعمة غير الصحية، ومنها دراسة أنجزها فريق بحثي تابع لجامعة أريزونا – الولايات المتحدة، إذ  حللت محتوى الإعلانات الموجهة للأطفال، ووجدت أن حوالي 73% من هذه الإعلانات اعتمدت على شخصيات مألوفة لجذب الأطفال، وأن معظمها يروج لأطعمة غير صحية وذات قيمة غذائية منخفضة، مثل رقائق البطاطس والحلويات والمشروبات الغازية، كما كشفت مراجعة عالمية  أجراها باحثون من أستراليا (جامعة وولونغونغ، كلية الصحة والعلوم الاجتماعية) بالتعاون مع مختصين في مجال الصحة العامة والتغذية حول تأثير التسويق عبر الألعاب الالكترونية الإعلانية ووسائل التواصل الاجتماعي، ووجدت أن تعرض الأطفال لهذه الإعلانات يؤدي إلى زيادة سلوك «الإلحاح على الوالدين» من أجل شراء الأطعمة غير الصحية، كما يؤدي إلى زيادة فعلية في استهلاك تلك المنتجات، بينما أوصت  منظمة الصحة العالمية في تقرير حديث لها الدول الأعضاء بتشديد السياسات الوطنية لحماية الأطفال من التسويق المضر، مؤكدة أن استخدام الشخصيات الكرتونية والألعاب والجوائز في الإعلانات يسهم بشكل كبير في جذب الأطفال نحو المنتجات الضارة بالصحة.

ومن كل ما سبق من الدراسات والتقارير يتضح لنا أن إعلانات «الشخصيات الكرتونية» ليست مجرد وسيلة بريئة للترفيه، بل هي أداة تسويقية قوية تشجع الأطفال على تناول أطعمة غير صحية، مما يؤدي مع مرور الزمن إلى زيادة معدلات السمنة في سن مبكرة، وارتفاع خطر الإصابة بالسكري النمط الثاني المرتبط بالسمنة وأمراض القلب مستقبلا، وضعف وعي الأطفال بأهمية الغذاء الصحي وتفضيلهم للأطعمة السريعة على حساب الطعام الصحي والفواكه والخضراوات.

الخلاصة: إعلانات «الشخصيات الكرتونية» التي تروج للأطعمة غير الصحية قد تبدو بريئة للوهلة الأولى، لكنها في الحقيقة تؤثر بعمق على سلوكيات الأطفال الغذائية وتساهم في خلق عادات غير صحية تستمر معهم إلى مراحل لاحقة من العمر، فالتوعية الغذائية أصبحت ضرورة لحماية صحة الأطفال وأجيال المستقبل ولدعم نموهم السليم، فتناول الأطفال للأطعمة غير الصحية بكثرة يزيد من فرص الأمراض ويضعف مناعتهم مع مرور الوقت، بالإضافة إلى ذلك قد يسبب ضعف التركيز والتعود على الخمول والكسل وقلة النشاط مما ينعكس سلبا على صحتهم بشكل عام.