لملمة الخرائط والعودة للورقة السعودية وحل الدولتين
الثلاثاء / 15 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 23:17 - الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 23:17
العالم يترقب. يحبس الأنفاس. إعادة السلاح إلى جعبته يبدو أنها اقتربت. أشباح السماء سيعيدون طائرات إلى المهاجع. ومسؤولو ذخائر الدبابات سيذهبون إلى منازلهم. سيلتقون أطفالهم أخيرا.
العين على قطاع غزة بعد عامين من القتل والتهجير والتدمير. وافقت أخيرا حركة حماس على الخطة التي قدمها الرئيس الأمريكي. وقبلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رغما عن أنفه، بعد أن وبخه دونالد ترامب في المكتب البيضاوي.
والخطة في حقيقة الأمر يشوبها كثير من التعقيد. أهم عنصر في بنودها يدعو للتدبر. وهو تعيين حكومة انتقالية بقيادة هيئة دولية لإدارة قطاع غزة. كيف يتحقق؟ لن ترضى السلطة الفلسطينية في رام الله، ولا الشارع الفلسطيني، ولا الرأي العام الغزاوي بذلك. حتى أن عديدا من الدول العربية رفضت ذلك، وطالبت بهيئة فلسطينية مكونة من تكنوقراط؛ تبنى على توافق فلسطيني ودعم عربي وإسلامي.
البعض يعتقد أن مسارعة حركة حماس للدخول في مفاوضات بعد موافقتها على الخطة الأمريكية، تعني قبولا فلسطينيا وعربيا وإسلاميا. غير صحيح. لأن هرولة حماس للجلوس على طاولة المفاوضات في شرم الشيخ، كان استنادا على إدراك، أن الوقت قد حان لرحيلها عسكريا، لذلك تحاول تثبيتها كطرف سياسي لديه القابلية على النقاش والتفاوض.
على هذا الأساس ينبثق سؤال افتراضي؛ ما المكاسب التي تتصور حماس أنها ستحصل عليها من ذلك؟ أولا: رفع الحصار عن قطاع غزة. ثانيا: فتح الأبواب أمام دخول استثمارات تتجه لإعادة الإعمار، بالإضافة إلى مساعدات اقتصادية للقطاع. ثالثا: وهذا برأيي الأهم: تتصور أنه عامل لاكتساب الشرعية الدولية، باعتبارها كانت تجد رفضا دوليا من ناحية التعامل معها. من خلال ذلك يمكن فهم كيف سارعت إلى الجلوس على طاولة المفاوضات. رابعا: إقناع الآخر بأنها كانت سببا في التهدئة الأمنية وتوقف الحرب على القطاع، وطرفا فاعلا فيما يحدث على الأراضي الفلسطينية من الناحية السياسية، وليس فقط من خلال المواجهة العسكرية.
حسنا. ما الخسائر؟ أولا: فقدان شرعيتها العقائدية. ثانيا: القبول بالخطة يعني ضمنيا، الاعتراف بإسرائيل. وهذا ينسف جزءا هاما من مفاهيمها التي قامت عليها عسكريا وسياسيا. ثالثا: فقدان قواعدها الشعبية. رابعا: خسارة ثقلها الإقليمي من خلال تبخر ورقة التحالفات الإقليمية، لا سيما مع إيران وحزب الله وحوثي اليمن.
إنما ثمة الأهم، ما هو؟ احتمال نشوء صراعات داخلية مع الصفوف العسكرية، كـ»كتائب القسام»، التي قد تجد أن خطوة القبول بالتخلي عن سلاحها، خيانة كبرى لفكرة المقاومة، وتنازل سياسي بلا ثمن ولا مقابل؛ ما يمكن أن يمهد لبزوغ نجم مجموعات منشقة ترفض التخلي عن مقاومة إسرائيل. وتلك فرصة استقطاب المتعاطفين، من الجماعات الجهادية المتطرفة في المنطقة. وهذا وارد على كل حال.
بالمقابل؛ ماذا عن إسرائيل؟ بإنهاء سلاح الحركة، سيتم تفكيك أحد أهم التهديدات الوجودية لها. وأيضا عدم الحاجة للعمل العسكري المرهق؛ الذي لطالما استنزف الدولة العبرية اقتصاديا وبشريا. هذا بالإضافة إلى تحسين صورة إسرائيل، من خلال لوبياتها العالمية، كونها تمكنت من دفع حماس للتخلي عن العنف؛ ناهيك عن أنها ضربة استراتيجية مزلزلة لما يعرف بمحور المقاومة، الذي اعتمد على وجود الحركة كعنصر ضغط بوجه الكيان الإسرائيلي.
فإدارة قطاع غزة من قبل أي جهة كانت، دولية أو فلسطينية، دون شك أقل عداء لها من حماس، وذا ما سيمنحها الفرصة لأن تسوق للعالم أنها دولة طبيعية، قابلة للتعايش مع الطرف الآخر، شريطة ألا يكون عامل خطر.
من جهة موازية، أعتقد أن تل أبيب تخشى عدة عوامل؛ ما إذا ابتعدت حماس عن المشهد السياسي والعسكري الفلسطيني. ما المقصود؟ المقصود أنه بنهاية ذريعة الإرهاب الغزاوي - كما تروج -، ستحترق أحد أهم الأوراق، التي كانت بمثابة مبادئ وأسس، تستفيد منها الحكومات اليمنية المتطرفة على الصعيد الداخلي الإسرائيلي، وخدعت بناء عليها الرأي العام، ووظفتها لدواع انتخابية وحزبية.
ويهيئ - وذا الأخطر - لوجود جبهة فلسطينية موحدة، ما قد يؤدي لاتساع المطالبات الدولية، بالقبول بحل الدولتين. وفي هذا الصدد يجب التأكيد على أن الأرضية السياسية العالمية جاهزة، بعد أن عملت السعودية بمساندة فرنسا مؤخرا، على رفع سقف الاعتراف بفلسطين، كدولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. إضافة إلى ضياع أسباب رفض المفاوضات، والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.
إن المتعمق بالنظر إلى ملف المواجهات الإسرائيلية - الحمساوية، المتكررة تاريخيا؛ سيكتشف أن الضحية بنهاية المطاف، هو الجانب المؤيد لهذا وذاك. فلا الأول يستحق مفهوم الدولة. ولا الثاني يستطيع الخروج من إطار الميليشيا الخارجة عن القانون.
قدم الأشقر خطته. صفق العالم. وانتظر. وتجاهل أن ما يحدث؛ ليس حربا، بل مجازر بين من لا يعرفون بعضهم. لصالح من يعرفون بعضهم، لكنهم لا يتقاتلون. هم في القصور. خلف الأسوار العالية. يقررون من يبقى في الحياة، ومن يغادرها، من السماء، أو بالجوع اللعين.
شراء الوقت، والتخدير لن يفيد. الأيام بيننا. سيعود كل من يريد لملمة الخرائط، للورقة السعودية.. وحل الدولتين.