الرأي

هتلر ونتنياهو، دروس القبح والتوحش والغباء تتكرر

شاهر النهاري


هل يمكن للعقل البشري أن يكون بهذا العمى؟

سؤال يبدو بسيطا، لكنه يطل برأسه كلما فتشنا في دفاتر التاريخ للمقارنة والاستفادة.

فها هو هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي، يقيم مشروعا عنصريا شاملا، يحول اليهود من بشر إلى مشكلة وجودية لا تحل إلا بالغاز الحارق ومعسكرات الموت.

مشروع عنصري نازي لا يعتمد فقط على جنون فرد مختل، بل منظومة كاملة من القوانين والصناعة والحضارة واستحقاق الوجود لإفناء المخالف، فكانت النتيجة: ستة ملايين إنسان مدني أحيلوا رمادا على مذابح الكراهية.

واليوم، بعد أن أعلن عقلاء العالم بأنهم تعلموا الدرس، فتحنا أعيننا على محرقة غزة.

حصار خانق منذ أكتوبر 2023، وقصف يتوالى، وعشرات الآلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى العزل نساء وأطفال وعجزة.

شعب غزة أصبح مشردا، ومستشفيات تحولت إلى مقابر، والمدارس محارق وفخاخ، وبندقيات تقنص من يحاول سد رمقه بلقمة.

تشابه لا يحتاج لعبقري ليحيط بمختلف زوايا الشر فيهما؛ والمعاناة لا يحوجها تعريف قانوني لتُفهم.

أليست سخرية سوداء أن تتحول ضحية الأمس إلى المجرم المارق بسياساته المريعة لتذكيرنا بجلاد الأمس؟

أليست مهزلة أن يستخدم الهولوكوست درعا أخلاقيا يبرر مأساة غزة الجديدة؟ وكأن التاريخ قرر أن يكتب ملهاة عبثية لمظلوم تعلم واستقوى، لينقلب للأظلم بمنتهى التوحش.

هتلر بالهولوكوست رسم عقيدة إبادة مكتملة الجنون، ولو كتب لها البقاء لأفنت جميع أنواع البشر من خارج صندوق النازية.

وما يحدث اليوم في غزة أيضا، يعد جزءا من عقيدة لاهوتية أحقاد متهافتة، ووجودا متفردا متصاعدا يختصر قباحة كل صراع سياسي عسكري معقد، يبرر الاحتلال والتوسع والانتقام ويحقق مخاوف الأمن.

الفارق متباعد في المنابع، ولكن نتيجة الحقد الإنساني تتشابه بصلف وظلم وإماتة جماعية، تهجير، وتحقير للكرامة.

والمفارقة أن «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، وهيئة الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، والتقدم التقني في الاتصالات والنقل الفضائي لم تكن متوفرة في عهد هتلر.

أما اليوم فنحن نرى كل شيء مباشرة: قصف وجثث، صراخ، دموع، وموت من الجوع، ومع ذلك كله يتواطأ العالم بالصمت المكتوم، وكأنه لم يقرأ شيئا من الدرس القديم.

أيهما أشد وقعا؟ جريمة ارتكبت في ظلام أربعينيات القرن الماضي، أم جريمة حية ترتكب في عين وضوح القرن الحادي والعشرين تحت أضواء الإعلام، وخزي نظام القانون الدولي المتهاون؟

سؤال ساخر، لكنه يترك في الروح مرارة أعمق من أي إجابة.

إن الانحياز لمأساة ضد أخرى ليس عدلا، بل هو انتحار للفهم الإنساني.

فمعيار الأخلاق لا يقاس بالزمن ولا بالعدد والصواريخ، بل بقدرتنا على رفض الظلم أيا كان فاعله.

ما جدوى التذكير والاحتفال بالهولوكوست إذا كنا نصمت أمام حرائق غزة بيننا؟

وما قيمة العبرة إذا كان الحدث يتكرر الآن، ولو بوسائل مختلفة؟

يبدو أن الإنسان يتفوق على نفسه حين يعيد إنتاج الحقد الغباء والكراهية والتعنصر بثياب جديدة.

وبين هتلر ونتنياهو، وبين الأمس واليوم، لا يتغير شيء جوهري: فالضحية المهمشة تظل ضحية، وخطابات العدالة تظل هزيلة التأثير، والتاريخ يضحك بسخرية مريرة على كل من يظن أن عطشه للدماء أصبح أكثر منطقية ورقيا وإنسانية.