المسؤولية المحدودة: كيف تحمي صاحب المشروع من الإفلاس الشخصي؟
الاحد / 13 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 23:03 - الاحد 5 أكتوبر 2025 23:03
في زوايا الحياة التجارية، ووسط الأضواء اللامعة لافتتاح المشاريع، يقف الشاب الطموح وهو يوقع أول ورقة لحلمه. يضع رأس ماله، وربما يجمع مدخرات سنوات، ويخطو إلى السوق. لكن السؤال الذي يطارده في أعماقه «ماذا لو خسرت؟ هل يسلب بيتي ومدخراتي، أم أن النظام يمد لي مظلة تحميني؟»
هنا يتجلى مفهوم المسؤولية المحدودة؛ الفاصل بين الحلم الآمن والمغامرة المدمرة. فالأنظمة السعودية، ولا سيما نظام الشركات الجديد لعام 1443هـ، قررت أن الشريك في الشركة ذات المسؤولية المحدودة لا يسأل عن ديون الشركة إلا بقدر حصته، وكأن النظام يضع جدارا بين أموال المستثمر الخاصة والتزامات مشروعه.
فالمؤسسة الفردية أشبه برحلة بحرية يقودها صاحبها وحده، فإن غرقت السفينة غرق معها بماله كله. أما الشركة ذات المسؤولية المحدودة فهي سفينة محصنة، قد تخسر البضاعة، لكنها لا تغرق بالبيت والمدخرات. وهذا الفرق شرحه النظام بجلاء في المادة (159) من نظام الشركات، حين أكد استقلال ذمة الشركة عن ذمم الشركاء.
نأخذ مثالا، شابان أسسا متجرا الكترونيا، كل واحد وضع خمسين ألف ريال. فشل المشروع وتراكمت الديون حتى بلغت 200 ألف. لجأ الدائنون إلى القضاء، فحكم لهم على الشركة لا على الشريكين، إذ لم يكن لهم سبيل إلى أموالهما الخاصة. هنا بدت المسؤولية المحدودة كسياج حامٍ.
في المقابل، شاب آخر فتح مؤسسة فردية للتوصيل، ولم ينشئ شركة. بعد حادث نتج عنه تلف بضائع قيمتها 150 ألف ريال، لم تكفِ أصول المؤسسة للسداد، فحجز على سيارته الخاصة. تعلم متأخرا أن الحماس وحده لا يكفي، وأن القانون كان يمكن أن يحميه لو اختار الشكل الصحيح.
الأمثلة كثيرة التي نضربها حتى على مستوى المشاريع العائلية التجارية، هناك عائلة اجتمعت على فتح مطعم صغير. نصحهم محامٍ بتأسيس شركة ذات مسؤولية محدودة. وبعد خلافات مع الموردين، اكتشفوا أن النزاع لم يتجاوز كيان الشركة، وأن بيوتهم ومدخراتهم بقيت في مأمن.
إن المسؤولية المحدودة ليست مجرد مادة قانونية تقرأ في كتاب، بل هي قصة حماية، وحكمة نظام، ودرع للمستثمرين الصغار. إنها تقول «غامر، لكن لا تجعل بيتك رهينة، ولا تسقط عائلتك في هاوية الدين بسبب مشروع لم ينجح». فالنظام هنا يتوازن بين تشجيع الحلم وحماية الواقع، بين فتح الباب للمغامرة الاقتصادية وإغلاق الباب أمام الكارثة الأسرية.
هكذا يظهر أن المسؤولية المحدودة ليست حيلة بلاغية، بل هي بلاغة القانون نفسه. هي أمان للشريك، وضمان للاستثمار، وركيزة تبني الثقة في السوق. ومن دخل السوق بلا هذا السياج، فهو كمن يمشي في صحراء بلا ظل. أما من فهمها وأحسن تطبيقها، فقد حمى نفسه وحلمه معا، وسار في درب التجارة مطمئنا أن النظام يقف بجانبه لا ضده.