هدنة غزة بين حسابات السياسة وضبابية الخطة قراءة في وقف إطلاق النار وفق مبادرة ترامب
الاحد / 13 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 22:55 - الاحد 5 أكتوبر 2025 22:55
مما لا شك فيه، فإن وقف إطلاق النار في غزة جاء في سياق خطة ترامب التي تمثل تطورا سياسيا وعسكريا معقدا يتداخل فيه البعد الإنساني مع الحسابات الاستراتيجية للأطراف المختلفة، حيث إن الخطة التي طرحها ترامب تضمنت وقفا فوريا للعمليات العسكرية وتبادل جميع الرهائن وانسحابا مرحليا للقوات الإسرائيلية ونزع سلاح حركة حماس مع إقامة حكم انتقالي بإشراف دولي، وهو ما أثار ردود فعل متباينة بين القبول المشروط والرفض الحذر من الأطراف المعنية؛ فالولايات المتحدة عبر هذه الخطوة تسعى إلى تعزيز دورها القيادي في الشرق الأوسط وتقديم ترامب باعتباره وسيط سلام قادرا على فرض حلول سريعة خصوصا في ظل رغبته في تحقيق إنجاز سياسي يعيد له الزخم الدولي، أما إسرائيل فقد تنظر إلى وقف إطلاق النار كفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب صفوفها وتحسين صورتها الدولية بعد الانتقادات الواسعة التي طالتها بسبب الخسائر المدنية، بينما ترى حماس في هذه الهدنة فرصة لتخفيف المعاناة عن سكان غزة وترتيب أوضاعها الداخلية لكنها في الوقت ذاته تتحفظ على بعض البنود التي قد تضعف من موقعها أو تفقدها السيطرة على الأرض.
ومن الناحية الإنسانية يمكن لوقف القتال أن يتيح إدخال المساعدات وإجلاء الجرحى وإطلاق الأسرى وتهيئة الأجواء لتفاوض أكثر توازنا، لكن هذه الفرصة تبقى هشة إذا لم ترافقها ضمانات واضحة لتنفيذ البنود بشكل متكافئ، إذ إن أي خرق من طرف واحد قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق وعودة التصعيد مجددا، كما أن غياب آليات مراقبة فعالة ونزع الثقة المتبادلة بين الأطراف يجعل الالتزام بالهدنة أمرا صعبا، إضافة إلى أن بعض البنود مثل نزع سلاح حماس أو فرض إدارة انتقالية قد تعتبر خطوطا حمراء بالنسبة للفصائل الفلسطينية، مما قد يفجر الخلافات الداخلية ويثير غضب الشارع الفلسطيني والدول الداعمة له على المستوى الإقليمي، حيث إن السعودية ومصر وقطر ودولا أخرى تتابع التطورات بحذر وتحاول الموازنة بين دعم التهدئة والحفاظ على مصالحها وعدم السماح بفرض حلول تتجاوز الإرادة الفلسطينية.
ورغم أن الهدنة الحالية قد تفتح الباب أمام مفاوضات سياسية أشمل، فإنها تبقى مؤقتة وقابلة للانهيار ما لم تتوفر إرادة حقيقية لدى الأطراف كافة لتثبيتها وتحويلها إلى مسار دائم للسلام، ومع ذلك فإن إمكانية الفشل تبقى قائمة خصوصا إذا استخدمت الخطة كأداة ضغط سياسي دون معالجة جذور الصراع التاريخية.
وفي المحصلة يمكن القول إن وقف إطلاق النار وفق خطة ترامب يمثل هدنة مشروطة تحمل في طياتها فرصا إنسانية وسياسية لكنها أيضا مليئة بالتحديات والاحتمالات المتناقضة ما بين الهدوء المؤقت أو العودة إلى المواجهة في حال تعثر التنفيذ أو غابت الضمانات الدولية اللازمة.