الرأي

الرياض تقرأ... والعالم يصغي

ليلى علي مجرشي


حين تفتح الرياض أبوابها للكتاب، لا تكتفي بعرض عناوين على الرفوف، بل تعرض ملامح أمة تعيد تعريف نفسها للعالم من خلال الحرف والفكر والمعرفة. إن «معرض الرياض الدولي للكتاب» لم يعد مجرد تظاهرة ثقافية، بل أصبح حدثا دبلوماسيا ناعما تطل من خلاله المملكة على العالم بثقة وثقافة، لتؤكد أن الكلمة يمكن أن تكون أداة تأثير لا تقل قوة عن السياسة أو الاقتصاد.

منذ انطلاقه، يمضي المعرض بثبات نحو العالمية، حاملا رسالة المملكة الثقافية ومجسدا لطموحاتها في أن تكون الثقافة جسرا للتواصل لا ساحة للتنافس. حضور مئات دور النشر من أكثر من خمس وعشرين دولة ليس تفصيلا تقنيا، بل هو دلالة على موقع المملكة الجديد في المشهد الثقافي الدولي؛ بلد يصدر فكره كما يصدر طاقته، ويستقبل الآخر بفضول ووعي ومسؤولية.

يمثل المعرض في جوهره ممارسة متقدمة للدبلوماسية العامة. فبين كل جلسة فكرية وندوة أدبية، تنسج خيوط تواصل ناعمة بين الشعوب، وتبنى صورة المملكة في الوعي الخارجي بعيدا عن الخطاب الرسمي. الكتاب، بلغاته وأغلفته وحواراته، يروي قصة وطن ينفتح على العالم دون أن يتخلى عن جذوره، ويحتفي بالآخر دون أن يذوب فيه. هذه هي الدبلوماسية الجديدة التي تتقنها السعودية اليوم: دبلوماسية الثقافة والكتاب والمعرفة.

ما يميز معرض الرياض أنه لا يستورد الثقافة بقدر ما يصدرها، فهو منصة يعبر فيها الكتاب السعوديون عن رؤاهم وهويتهم وتجاربهم الإنسانية. فمنصات التوقيع وأركان المؤلفين الشباب ليست مجرد أنشطة جانبية، بل مشهد وطني يعيد الاعتبار لصوت المبدع المحلي ويمنحه حضوره المستحق في المشهد العربي والعالمي. بهذا المعنى يتحول المعرض إلى مرآة تظهر الهوية السعودية الحديثة منفتحة، واعية، مبدعة، ومتصلة بجذورها دون أن تقف عندها.

التحول الثقافي لا ينفصل عن التحول الرقمي، لذا بات المعرض يقدم تجربة معاصرة توظف التقنية في عرض الكتب وتنظيم الفعاليات وتسهيل التواصل بين الناشرين والقراء. الرياض هنا لا تقرأ فقط، بل تبتكر في طريقة القراءة، وتعيد تعريف العلاقة بين القارئ والمحتوى في زمن تتغير فيه الوسائط والمعارف بسرعة مذهلة. إن توظيف التقنية في الثقافة ليس ترفا، بل جزء من وعي المملكة بأن التأثير في المستقبل سيكون لمن يمتلك أدوات المعرفة الحديثة.

إن المملكة لا تروج لكتاب فحسب، بل لثقافة كاملة تنبض بالحياة والتنوع والتسامح. هذه هي ملامح السعودية الجديدة التي تعرّف نفسها للعالم من خلال مهرجاناتها الثقافية، ومتاحفها، ومعارضها، وأدبها، وإبداع شبابها؛ قوة ناعمة تصنع الاحترام، وترسخ حضورا لا يفرض بل يكتسب.

إن «الرياض تقرأ والعالم يصغي» ليست مجرد عبارة دعائية، بل حقيقة تعبر عن واقع ثقافي متجدد. فحين يتحدث الوطن بلغة الثقافة، يصغي العالم بإعجاب. وفي زمن تتنافس فيه الدول على تصدير صورتها للعالم، تختار المملكة طريقها الخاص طريق الكتاب والكلمة والفكر، لتؤكد أن التأثير الحقيقي يبدأ من صفحة تقلب، وفكرة تقرأ، ورسالة تضيء الوعي الإنساني من الرياض إلى العالم.