لماذا أكثر من خمس وأربعين دقيقة؟!
الثلاثاء / 8 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 04:16 - الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 04:16
إذا قررت أن تظهر نفسك كمدير ممل - لا يوجد مدير ممتع أصلا - أو رغبت في رفع ضغط موظفيك بلا عناء، فما عليك إلا أن تطيل الاجتماع أكثر من خمس وأربعين دقيقة، خلالها رد على أربع مكالمات ووقع خمس معاملات مع رفع حاجبيك استغرابا وتذمرا من الموظفين الذين أعدوا المعاملة دون أن تتحدث! (وإن كان موظفوك يعانون من انخفاض في الضغط، فلا تتعب نفسك بإحضار قطعة حلوى أو تمرة، فقط اجعل الاجتماع أطول، وسترى الضغط يرتفع ومعه السكر مجانا واعتبره عرضا خاصا مخفضا!).أما إن كنت مديرا من النوع «المتحفز»، فأعط موظفك المسكين ملفا يستغرق قراءته أكثر من خمس وأربعين دقيقة، وقبل الدقيقة الخمسين، ومدة كتابة التقرير عن هذا الملف خمس وسبعين دقيقة، اسأله ببرودك المعهود «هل انتهيت من التقرير؟». عندها سيتمنى الموظف أن تنتهي حياته قبل التقرير.وإن كان بين أحد موظفيك خلاف أو عدم توافق، فما عليك سوى المرور على مكتبه كل خمس وأربعين دقيقة، وصدقني... لن تجده على مكتبه، بل سيجد لنفسه هوايات جديدة تبدأ من تنظيف المطبخ وتنتهي بتفقد عداد الكهرباء، أو تتصل عليه ويقول لك إنه ذهب «يرش بلوك العمارة»!حتى كرة القدم - بكل عظمتها - عرفت هذه الحكمة. الشوط الأول 45 دقيقة فقط، إلا إذا قرر أحد اللاعبين أن يتدحرج من نصف الملعب متألما ليضيف دقائق من الملل. ومع ذلك، تجد نفسك مع الدقيقة الأربعين من الشوط الثاني تتمنى العبث بالريموت أكثر من متابعة فريقك، حتى لو كان فائزا بخمسة أهداف.كرة السلة وغيرها من الألعاب ليست أذكى منك أيها المدير العزيز، فجميعها محددة في حدود هذه المدة مع استراحة قصيرة. كل شيء مدروس بعناية... إلا اجتماعاتك سيدي الممل حقا!حتى المسلسلات الأجنبية، فهي حوالي 40 دقيقة بلا التتر الأخير (وأنت حر تشاهده أو تقفزه). أما مسلسلاتنا العربية، فقد قلدوا كل شيء إلا هذا الجزء الممل، فوضعوا التتر في البداية، ليذكروك منذ اللحظة الأولى أن لديك 30 ممثلا لا تعرف عنهم شيئا. ومع ذلك، تبقى مدة الحلقة ضمن هذا الحد، رغم قلة الحماس طبعا.والأمر ليس صدفة: الحصص الدراسية 40 دقيقة، والمحاضرات الجامعية 50 دقيقة. مؤتمرات علمية مع ثلاث ورقات علمية تستغرق المدة نفسها، ورش عمل، دورات تدريبية... كلها تدور في هذا المدار، ومع استراحات للشاي والقهوة و«التعارف الحضاري» بين الحاضرين والحاضرات!فالسؤال: لماذا يصر مدير على اجتماع أطول من هذا؟ ولماذا يخطب خطيب خطبة يطول معها أذان الظهر حتى العصر؟ ولماذا يظن بعض الناس أن كلامهم أهم من محاضرة جامعية أو مؤتمر دولي أو درس فقهي؟باختصار: لو كان الملل رجلا، لكان حتما من منظمي هذه الاجتماعات الطويلة.Halemalbaarrak@