الضمير السعودي وتضميد جراح سوريا العرب
الاثنين / 7 / ربيع الثاني / 1447 هـ - 05:07 - الاثنين 29 سبتمبر 2025 05:07
العالم يتغير. القوة والصوت الواحد باتا ضربا من ضروب الماضي. اللعب أصبح على المكشوف. انتهى وقت المعسكرات الصامتة. وقضى مفهوم الاصطفافات مدفوعة الثمن نحبه. والشعوب باتت أكثر وعيا من السابق. ترفض الأمم البيع والشراء على حساب كرامتها.وهذا الكون الفسيح يقف على مفترق طرق. هناك خياران لا ثالث لهما، إما تعمير أو تدمير. وذلك تجسيد ربما لصراع الخير والشر؛ والمفهوم الجوهري المتجذر، في الدين والأخلاق والفلسفة، وعلم النفس، تمثيلا للثنائية المتعارضة، التي تعيش في النفس البشرية، على شكل صراع داخلي.أن ترفع السعودية صوتها بوجه الدنيا ومن عليها لاستعادة حقوق الأشقاء، فبرأيي هذا أحد أوجه الخير وصوره الإنسانية. وأن تكسر الرياض إرادة وشهوة الحرب والقتل والدم، في نفس إرهابي يقبع في تل أبيب، اسمه بنيامين نتنياهو، فذا بزعمي مواجهة للشر.دون احتساب لأي شكل من أشكال الكلفة السياسية؛ أن تتسابق المملكة وشقيقتها دولة قطر، لإعانة شعب مكلوم، عانى لأكثر من خمسة عقود من نظام متجبر، تجاوز كل مفاهيم الظلم، بالتناوب بين الأب والولد - حافظ وبشار - في سوريا، فهذا حتما أسمى أخوة صادقة.لم يجف حبر توقيعات الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بعد معركة طاحنة قادتها الدبلوماسية السعودية منذ أشهر، بمعاونة من الجمهورية الفرنسية، إلا ونحت منحى، لامس حاجة السوريين، بقرار اتخذته الرياض والدوحة في آن واحد، تلخص بدفع رواتب العاملين في القطاع العام السوري، لمدة ثلاثة أشهر.والفكرة هنا ليست مجرد تمويل أو تحقيق نوع من سد الثغرات الاقتصادية فحسب، إنما هي أعمق. كيف؟ القضية لها هدف متوسط وبعيد المدى، يرتكز على الوقوف وراء تسريع تعافي الاقتصاد السوري، للوصول إلى تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين السوريين، استنادا على تعزيز مخصصات ميزانية الدولة. هناك الأهم. ما هو؟ تعزيز الحماية الاجتماعية للشعب السوري.ماذا بعد؟ أتصور أن ذلك الموقف يمنح الدور الذي تلعبه المملكة تجاه سوريا، مزيدا من المصداقية والثقل، من خلال اعتماد الأفعال لا الأقوال، التي تأكدت عمليا، بالعديد من المبادرات التي ساند فيها السعوديون سوريا حكومة وشعبا، على الجانبين السياسي والاقتصادي.سؤال: ما الهدف من وراء ذلك؟ تعزيز المنهجية التي تسعى من خلالها المملكة، لإنقاذ سوريا، وشحذ الهمم الدولية للوقوف وراء سوريا وشعبها، لا من أجل أن تستأثر في المشهد، بل لدفعه للأمام.بهذا الصدد حري بي القول، إنه ثمة محظورات في السياسة السعودية. كالسعي وراء تحقيق بطولات على حساب الأشقاء. ذلك ممنوع في القاموس السعودي لا يمكن التلاعب به أو تجاوزه. مثله مثل المن في العطاء والبذل، والشماتة بالمختلفين معها، ولا أريد قول «الأعداء».أتصور من الناحية السياسية، يجب النظر لتمكن الرياض من إخراج سوريا من قمقم العقوبات التي فرضت عليها دوليا، نظير سياسة «الأسد الفار»، وقبله والده، بعد أن أقنع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، برفع العقوبات عن دمشق، وهو الأمر الذي تحقق خلال زيارته للرياض في الثالث عشر من مايو الماضي.ليس ذلك فحسب، بل إنه - أقصد ولي العهد - استطاع جمع الرئيس الأمريكي والرئيس السوري أحمد الشرع، في لقاء شهير بحضوره، أزال كثيرا من الضبابية حول القيادة الجديدة السورية؛ وغير الرؤية الذهنية الأمريكية تجاه الشرع وطاقم عمله.البعض يرى أن رفع العقوبات مجرد شعار، بلا انعكاسات على السوريين. هذا غير صحيح. ما العوائد؟ أولا: تعزيز الأمن واستقرار الدولة. ثانيا: رفع معاناة الشعب السوري. ثالثا: المساهمة في إنجاح العملية السياسية الانتقالية. رابعا: استعادة الانتماء الوطني للمجتمع السوري، بعد سنوات من سلب النظام السابق لذلك الشعور من نفوس أبناء الوطن، وتحويلهم بقوة السلاح وأقبية المخابرات، إلى مجرد أرقام لا تذكر، في مزرعة «آل الأسد» الكبرى. بطبيعة الحال ذلك لم يتم، دون إعادة سوريا لمحيطها العربي، وضمان وحدة أراضيها، واستقلالها، والتصدي للتدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية.وفي الشق الاقتصادي، فقد أغلقت المملكة ملف ديون مستحقة على دمشق لمجموعة البنك الدولي، وفي الوقت ذاته، عززت قطاع الطاقة السوري الذي تقوم عليه حياة السوريين، بمليون و650 ألف برميل من النفط الخام، للمساعدة في تجاوز المحن التي تواجهها الدولة والشعب.أعتقد أن الموقف السعودي - القطري، الذي سارعت له العاصمتان، لا يبطن الحصول على مكاسب سياسية، أو نفوذ، أو موطئ قدم، أو حتى إطلالة بحرية على الأبيض المتوسط. ولا يميز بين المكونات السورية، سنة وشيعة وعلوية، أو مسيحيون، ودروز، وكرد، وبدو وقبائل.إنه نابع من استشعار المسؤولية الإنسانية والأخلاقية تجاه طبقات اجتماعية، في دولة عثت بها الطائفية والمذهبية المقيتة فسادا، ولعب المجرمون بخرائطها، وجعلوها تنزف لسنين مضت، دون أدنى اعتبار لتاريخها وعمقها الحضاري، ولا حتى عروبتها.إن إخراج عاصمة الأمويين من النفق المظلم، ليست فكرة طارئة. ولا شعبها بلا قيمة إنسانية. القصة كبيرة، أكبر مني، ومنك، ومن كل شيء.إنها حكاية خاصة بالضمير السعودي.. الساعي لتضميد جراح سوريا العرب.