الرأي

مصير الخليج بعد ضربة الدوحة

شاهر النهاري
لا شك أن السكرة ما تزال طافية، وأن الفكرة ما تزال غائبة، فمرحلة ما بعد ضرب قطر لا يمكن اعتبارها مجرد أزمة عابرة، بل هي محطة مفصلية كشفت عن حجم الهشاشة الاستراتيجية في الخليج.لقد بدا واضحا أن الثروة وحدها لا تكفي لحماية الدول، وأن الاعتماد على الحلفاء الخارجيين مهما بلغت قوتهم لا يضمن الأمن القومي.الخليج كنز خيرات ويواجه بالتحديات من كل اتجاه، خافيا وشاهرا.حكومة إسرائيل دولة تفكر أكثر مما تنام، وهي تسعى للتغلغل عبر بوابات متعددة ليس التطبيع أكبرها، ففرضت أجندتها التخطيطية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والتوسعية بما يخدم مصالحها، ويجعل بقية بلدان العرب أهدافا.إيران مهما غفلت، تظل تواصل مشروعها التوسعي عبر أدوات عسكرية وعقائدية، وتدخلات بحجج المقاومة وبأيديولوجية تمتد من العراق إلى اليمن.تركيا بدورها تبحث عن موطئ قدم دائم في المعادلة الإقليمية.أما القوى الكبرى كالولايات المتحدة ودول أوروبا، فهي ترى في الخليج مخزنا للطاقة وموقعا استراتيجيا لانتشار هيمنتها.وبالعقل، فالتهديدات الخارجية ليست وحدها المشكلة، فهنالك عقبات داخلية لا تقل خطورة.التباينات السياسية والعقائدية بين الدول الخليجية تجعل أي مشروع تكاملي هشا، قابلا للانهيار عند أول خلاف. وبعض الدول الصغيرة تطمح إلى أدوار تفوق حجمها الواقعي، وهو ما يخلق حساسيات وتوترات بين دول الخليج تستمر.أما من الناحية العسكرية، فضعف التصنيع المحلي واعتمادها المفرط على شراء الأسلحة يجعل هذه الدول غنية ماليا مفتقرة لاستراتيجية موحدة، وهو ما يفسر تعدد القواعد الأجنبية على أراضيها.يضاف إلى ذلك معضلة التطبيع الجزئي مع إسرائيل، والتي أصبحت شرخا عميقا داخل البيت الخليجي، فكيف يمكن حصول استراتيجية أمنية موحدة ضد شريك من تل أبيب، يهدد الوجود؟أمام هذا الواقع، تبقى الخيارات محدودة لكنها ليست منعدمة، لو صلحت النية.وأول هذه الخيارات عمل جلسات مصارحة وتواد حقيقي متكاشف، لا يسمح لوجود الخلاف.والثاني بناء قوة عسكرية مشتركة حقيقية، لا تكتفي بالشكل الرمزي، بل تنسج شبكة دفاع متكاملة على مستوى التدريب والتسليح والتخطيط، وتتفرغ بالكامل لحماية الخليج.والثالث بالاستثمار الجاد في التصنيع العسكري المحلي غير الجزئي، وبما يحرر القرار السياسي من الارتهان للمورد الخارجي.والرابع تبني دبلوماسية إقليمية متوازنة تقلل من احتمالات الصدام مع إيران وتركيا عبر مبدأ توازن المصالح لا التبعية.والخامس توجيه الثروة النفطية والغازية والمعدنية نحو بناء مجتمعات أكثر صلابة، تمتلك قدرة ذاتية على مواجهة الأزمات بدل الارتهان للحماية الخارجية.دول الخليج أمامها مفترق طرق خطير.فإما أن تظل ملعبا مفتوحا للقوى الإقليمية والدولية، أو أن تتحول إلى لاعب قوي مؤثر يحدد مصيره بيده. الشرط الأهم لتحقيق كل ذلك هو الوعي الحكومي والشعبي بأن الأمن القومي لا يبنى بالمال وحده، بل بوحدة القرار، واستقلالية السلاح، ورؤية استراتيجية طويلة الأمد.إن ضربة قطر، مهما كانت محدودة أو رمزية، ليست سوى جرس إنذار لمن يعي.والتاريخ لن يرحم كيانات غنية بلا قوة ولا مستقبل، لدول محاطة بالتهديدات، إن لم تتحول ثرواتها إلى دروع تحميها، لا مجرد خزائن مفتوحة للناهبين.shaheralnahari@