الصمت عن إرهاب إسرائيل بالجواسيس الصغيرة
الأربعاء / 25 / ربيع الأول / 1447 هـ - 04:45 - الأربعاء 17 سبتمبر 2025 04:45
لم تهدأ بعد تداعيات الهجوم على العاصمة القطرية الدوحة. ذهبت سحب دخان الغدر من السماء. بات الأمر أشبه بجمر تحت رماد. صدمته مدوية عالميا. انتقلت تبعات الإرهاب الإسرائيلي من موضع إلى آخر. تم تدويل القضية. وهذا أبسط ما يمكن أن يصار إليه.بالنظر إلى المفهوم العام لمنظمة الأمم المتحدة، وذراعها الأهم - مجلس الأمن الدولي -، يتضح أن هناك تناقضات لا يمكن تجاوزها أو غفرانها. لأنها جهات دولية يمكن وصفها بـ«رمانة الميزان»، التي من شأنها ضبط العلاقة بين سكان الأرض، حكومات وشعوب على حد سواء.ثمة ما كان لافتا للانتباه على خلفية هجوم الدوحة. مثل ماذا؟ تجاهل ذكر إسرائيل في البيان الصادر عن الجلسة العاجلة لمجلس الأمن الخميس الماضي. أتصور أن لذلك عدة تفسيرات. ما هي؟أولا: إما أن تكون الأمم المتحدة بكل تكتلاتها، تدار من وراء ستار، من دول نافذة يصعب رفض توجيهاتها وأوامرها. كالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال.ثانيا: أن يكون اللوبي اليهودي النشط في أمريكا أصلا، متغلغلا في دهاليز المنظمة.ثالثا: ربما يلعب المال السياسي دورا في صناعة الرأي الدولي، الذي يفترض أن يصدر من الأمم المتحدة بحياد. هذا ليس اتهاما لأحد؛ لكن كل شيء جائز.تحاشي تسمية إسرائيل مثير للغاية، ودفعني من باب العبث الصحفي، للبحث في موقع الأمم المتحدة على الإنترنت، عن شكل الصياغة المعتمدة في أحداث العالم. عثرت على البيان الصادر عن مجلس الأمن الخاص بالتعدي على قطر.احتوى على «إدانة عمياء». أقصد بالعمياء، باعتباره دان طرفا غير معلوم. هذا بزعمي سقطة، بما لا يدع للشك مجالا.نص على تأكيد أن مجلس الأمن الدولي عقد اجتماعا طارئا حول الوضع في الشرق الأوسط، بحث خلاله الهجوم الإسرائيلي في قطر. شارك في الاجتماع رئيس وزراء دولة قطر ووزير خارجيتها. وقدمت خلاله وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، إحاطة للأعضاء بهذا الشأن، اكتفت خلالها بالقول، إن الهجوم «صدم العالم».لا مشكلة في ذلك، إنما الأدهى أنه - أي البيان - تضمن تلاعبا فاضحا في المفردات، كيف؟ اعتماد استخدام مفردة «الهجوم الإسرائيلي في قطر»؛ ولم يتم اللجوء لتوظيف الحقيقة بشكلها الصريح، التي تستوجب قول «الهجوم الإسرائيلي على قطر». ونتيجة ذلك تم اختزال الأمر بالظرفية المكانية، على حساب استبعاد مفردة «الهجوم على قطر»، والتي تفيد بالاستعلاء أو الفوقية، وترقى لأن تحتمل مفهوم «الاعتداء».صحيح أنه بعد وقوع الهجمات الإسرائيلية ضد قطر، عد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في اتصال مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، انتهاكا صارخا للأعراف الدولية، وتهديدا خطيرا لأمن قطر والمنطقة. وذا موقف فردي كان يفترض أن يصدر في ورقة تحمل دمغة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.بمواصلة البحث في منصة الأمم المتحدة، ينكشف بوضوح، من خلال متابعة عديد من المواقف الصادرة بحق غزة، أن المنظمة تحاشت ذكر الطرف الإسرائيلي في جل ردود أفعالها، دون فهم لتلك المنهجية التي تتخذها تجاه تل أبيب.ففي السابع من سبتمبر الجاري، صدر عن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، ما مفاده «أن الموت والدمار والتجويع وتشريد المدنيين الفلسطينيين، نتيجة خيارات تتحدى القانون الدولي وتتجاهل المجتمع الدولي.إن أحدث أمر نزوح أصدرته إسرائيل بحق الفلسطينيين في مدينة غزة، يأتي بعد أسبوعين من تأكيد المجاعة في قطاع غزة، وفي خضم هجوم عسكري كبير». السؤال المشروع: من الطرف الذي يتجاهل المجتمع الدولي؟ ومن قبل من سيكون الهجوم العسكري الكبير؟ ولماذا لم يتم اتهام إسرائيل علانية بممارسة التجويع وتشريد سكان القطاع عن منازلهم، وهذا معترف به ضمنيا طبقا لوكيل الأمين العام!وفي مقابل ذلك، وبتناقض فاضح، كشرت الأمم المتحدة في 28 من أغسطس الماضي عن أنيابها بوجه روسيا، نظير هجمات شنتها على العاصمة الأوكرانية كييف، وقالت إنها خلفت عددا من القتلى المدنيين، بينهم أطفال. حسنا: لماذا تم تسمية روسيا وإدانتها بهذا الشكل الواضح، بينما يتم تلافي قدر الإمكان، ذكر إسرائيل في كل ما يصدر عنها؟إن الغموض وتجاهل تسمية الأمور بمسمياتها، وإيقاف ممارسي إرهاب الدولة من الجوقة المتطرفة في تل أبيب، التي يتزعمها قاتل الأطفال بنيامين نتنياهو عند حدها، يمنحها ضوءا أخضر لمواصلة تجاوز الأعراف والقوانين الدولية، وممارسة مزيد من التطاول على سيادة الدول، وإملاء الشروط بكل بجاحة.فالصفاقة السياسية التي مارستها إسرائيل ضد قطر، وهي الطرف المحايد بين الكيان الغاصب وحركة حماس، لا يمكن نسيانها أو غفرانها، لمن نفذ وأيد أو صمت.سأنتهي للقول، إن الأسئلة محيرة. قاتلة لمن لا يملك إجاباتها. تجعله بعض الأحيان معتوها كنتنياهو؛ الذي تنحره فكرة الكيان الغاصب، ومفهوم اللا دولة. تلك النظرة تجعله يقف على حد السكين.لديه شيئان يمكنه التعامل معهما، لتنفيذ خططه وإرهابه.إمعات صامتون في نيويورك. وهواتف محمولة.أو كما أسميتها.. جواسيس صغيرة.