الرأي

عجائب الكذب السياسي تطوينا

شاهر النهاري
لم يعد منكرا أن يكذب الجميع، بل إن الصدق أصبح ندرة في عالمنا الجديد بقيادة الرئيس الأمريكي ترامب، ووصافة شرطي الشرق الأوسط نتنياهو، رئيس وزراء الدولة المارقة إسرائيل.زمن أصبح الكذب فيه لغة رسمية للسياسة العالمية، ليس للتجميل والتبرير، بل بفجاجة وقحة، تضحك أحيانا، وترعب في أغلب الأحيان!عالم إذا سمعنا فيه الخبر المطمئن، فالأجدر بنا أن نصدق نقيضه!فلم تعد السياسة تدار بحكمة الأخيار النبلاء، بل بتصريحات غي متناقضة، وتغريدات عشوائية، وقرارات رعناء تتخذ على وقع طبول الكذب.عالم، أطلق العنان فيه لنتنياهو، ليعيد تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤيته المتطرفة، شرطيا 'شبيحا' قاتلا، ودون اعتبار لأي قوانين دولية أو أعراف دبلوماسية.أمريكا، التي تحتل قاعدة 'العديد' العسكرية المتقدمة في قطر، تكذب بأنها لم تعلم بقصف الدوحة إلا في اللحظات الأخيرة!هذا التصريح وحده كاف ليدرس ضمن فنيات ابتداع كذبات السخرية السياسية.كيف لدولة تراقب كل شبر أرضي وجوي وبحري في المنطقة المحيطة أن تفاجأ؟!وكيف يتوافق هذا الإنكار مع تهديد ترامب قبلها بأيام بمنح 'فرصة أخيرة لحماس لإطلاق الأسرى جملة'؟ ووضوح تهربه بعدها، وعدم اكتراثه بالحدث!الكل تعاطف مع قطر، من محبيها وحتى ممن تضرروا من قناتها الجزيرة، فالمواقف الصعبة تستدعي أصالة العلاقات وتخطي الصغائر.وكنا نتوقع أن تكون قناة الجزيرة أكثر وأقرب القنوات في نقل ومتابعة الحدث!وكذبة تدور حول الوفد بعد نجاته، فلم يظهر أثره على أي وسيلة إعلام!وللمفارقة الأعجب، أصبحت إسرائيل أكثر فضحا للواقع من الجميع!تخطط، تتجسس، تقصف، تخترق الأجواء، تحرق وتهدم، وتصرخ علانية مبرزة لسان الحرباء: 'نحن فعلنا ذلك'!بدلال يعرف أنها ناجية مهما فعلت!إسرائيل تستغل هذا المناخ المسموم، وتقترف ما يحلو لها، وتراكم وقع صدماتها على الوعي العالمي، الكاذب.قطر، كانت تعتقد أن تفانيها وهداياها الكريمة لأمريكا، ووجود القاعدة الأعظم فيها درع حصين لها، ولكنها وجدت نفسها وللمرة الثانية عارية أمام تبدل اتجاهات رياح القصف.كثير من الدول التي تعاطفت مع قطر، وشجبت الفعل القبيح المجرم، فعلت ذلك إما إمعانا في الكذب، أو رغبة في تأكيد سيادة القانون، وخشية ألا تكون أوطانهم أهدافا قادمة لكذبات جديدة.وحتى طريق الطائرات صار تهمة، وتراشقا، وخبرا مكذوبا!ومؤكد أن لسان ترامب العجيب لن يلبث أن يفضح الجميع!في عالمنا الجديد من يكذب قد ينجو إلى حين، ومن يصدح بالحقيقة يعامل كمضلل أو عدو، ويتهم بالجنون أو الخيانة!نعم، فالكذب في الوجه أصبح أكثر راحة، وقبولا، وأكثر دبلوماسية!هل آن الأوان لتأسيس جامعة للكذب السياسي، تدرس فيها تصريحات ترامب، وبيانات إسرائيل، واستنكارات الدول المتحمسة في بيانات الشجب، واجتماعات مجلس الأمن، وهيئة الأمم المتحدة، وما يدريك فربما تمنح جائزة نوبل للمبدع في الكذب المتقن!واقعا أننا نعيش عصرا طباشيريا لما بعد الحقيقة، والذي أعقب عصور التلاعب بجليد الواقع وبرونز التاريخ.عصر سريع المسح، يتحدث فيه الجميع بلغة واحدة: 'نحن نكذب، وننكر كذبنا، وأنتم تعرفون بأننا نكذب، وسوف تصدقونا، تحت طائلة الترهيب، وليس بالإقناع!shaheralnahari@