لماذا يتذكر الناس الثقافة أكثر من البيانات الرسمية؟
الاثنين / 23 / ربيع الأول / 1447 هـ - 03:05 - الاثنين 15 سبتمبر 2025 03:05
عند دخول الزائر لأول مرة إلى مطعم سعودي تقليدي في قلب الرياض، يشعر وكأنه عبر بوابة صغيرة إلى قلب الثقافة المحلية. الروائح الدافئة للبهارات الطازجة، أصوات الطهاة وهم يحركون الأطباق، وألوان الكبسة المنسقة بعناية على الطاولة، كل ذلك يخلق تجربة تتخطى الكلمات والأرقام. هذه اللحظات الحسية تترك أثرا عميقا في ذاكرة الزائر، وهو ما يوضح الفرق بين ما يمكن أن تقدمه البيانات الرسمية وما يمكن أن تحققه الثقافة الحية.الطعام السعودي ليس مجرد وجبة؛ إنه قصة تروى بالحواس. الكبسة، المندي، القهوة العربية، وحتى الحلويات التقليدية، تحمل معها تاريخا وثقافة وقيما متوارثة. وعندما يختبر الزائر هذه التجربة في فعاليات مثل موسم الرياض أو مهرجان للأطعمة، لا يكتفي بتذوق النكهات، بل يتعرف على روح الضيافة السعودية، على التقاليد المعاصرة، وعلى التوازن بين الأصالة والانفتاح. هذه التجربة الحية تترك انطباعا دائما يتجاوز أي تقرير إحصائي أو بيان رسمي، لأنه يستهدف العقل والعاطفة في آن واحد.القيمة الحقيقية تكمن في أن هذه التجربة تجعل الثقافة أداة تأثير ملموسة. حين يغادر الزائر المطعم أو الفعالية، يحمل معه صورة ذهنية متكاملة عن المملكة: بلد يحترم أصالته، يقدّر الفنون، ويعرف كيف يرحب بالزائرين. هذا الانطباع الشخصي يصبح أكثر رسوخا من أي بيان رسمي، لأنه تم اختباره وعاشه الزائر بنفسه.وليس الطعام وحده من يحقق هذا التأثير. جميع أشكال الثقافة، من السينما والموسيقى إلى المعارض والفنون البصرية، تساهم في رسم صورة المملكة عالميا، لكن الطعام يظل من أكثر العناصر قدرة على الوصول إلى الناس بشكل شخصي وحسي. فكل لقمة، وكل رائحة، وكل مشهد أثناء التجربة يعكس رسالة واضحة عن الهوية الثقافية للمملكة.في المستقبل، ومع التوسع في الفعاليات الثقافية وتجربة الطعام السعودي العالمي، ستزداد قدرة المملكة على نقل هذه التجارب بطريقة أكثر تأثيرا. الاستثمار في الثقافة والهوية الحية، بدل الاقتصار على البيانات الرسمية، يعزز المكانة الدولية للمملكة ويخلق نفوذا دائما على الوعي الجمعي للزوار والسياح.في النهاية، ما يتذكره الناس ليس الأرقام أو الإحصاءات، بل ما عاشوه بأنفسهم. الطعام السعودي اليوم ليس مجرد وجبة؛ إنه تجربة شاملة تنقل أصالة الثقافة وروح الضيافة، وتجعل الزائر يخرج بحكاية شخصية لا تنسى، ويثبت أن التأثير الحقيقي يبدأ دائما من التجربة الحية، وليس من البيانات والأرقام.layla636@