الرأي

قراءة في ثلاثية الإعلام: التأثير والأثر والمؤثرات

عبدالله علي بانخر
في عصرنا الرقمي، حيث يتلاشى الخط الفاصل بين الواقع والخيال، لم يعد مجرد استهلاك المحتوى كافيا. لقد أصبح من الضروري فهم آليات صناعته وتأثيره العميق على عقولنا. إن ثلاثية التأثير (Affect)، والأثر (Effect)، والمؤثرات (Special Effects) ليست مجرد مصطلحات أكاديمية، بل هي مفتاح فك شفرة الرسائل الإعلامية المعاصرة. هذه القراءة التحليلية ستغوص في أعماق هذه المفاهيم لتبين كيف تستخدم الأدوات البصرية والتقنية للتلاعب بمشاعرنا (التأثير)، مما يقود في النهاية إلى تغيير سلوكنا وقناعاتنا (الأثر)، وكيف أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم يمتلك القدرة على هندسة هذه العملية بالكامل.المفاهيم الأساسية
  • التأثير (Affect): هو الاستجابة العاطفية الفورية واللحظية للمحتوى. إنه الشعور غير الواعي الذي يثيره مشهد أو خبر أو صورة معينة. على سبيل المثال، الشعور بالخوف عند مشاهدة فيلم رعب، أو الشعور بالفرح عند رؤية مقطع فيديو لطيف. التأثير هو رد فعل شخصي وعاطفي مباشر.
  • الأثر (Effect): هو النتيجة طويلة المدى والملموسة للتفاعل مع المحتوى. إنه التغيير في السلوك أو المعتقدات أو الآراء الذي يحدث بمرور الوقت. يمكن أن يكون الأثر هو تغيير في طريقة تفكيرك بعد مشاهدة فيلم وثائقي، أو اتخاذك قرار شراء منتج معين بعد رؤية إعلانه عدة مرات. الأثر هو نتيجة قابلة للقياس، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
  • المؤثرات (Special Effects): هي الوسائل والأدوات التقنية التي تستخدم لخلق المحتوى، وغالبا ما تكون مصممة خصيصا لإثارة تأثير عاطفي معين. تشمل المؤثرات كل ما هو مصطنع لتعزيز الرسالة البصرية أو السمعية، مثل الانفجارات في أفلام الحركة، أو الفلاتر على الصور في وسائل التواصل الاجتماعي. المؤثرات هي الأداة التي تستهدف التأثير، والذي بدوره يقود إلى الأثر.
العلاقة بين المفاهيمالعلاقة بين هذه المفاهيم هي علاقة سببية وهرمية:
  • المؤثرات هي الوسيلة (الأداة أو التقنية).
  • الأثر تهدف إلى إثارة التأثير (الاستجابة العاطفية).
  • التأثير يساهم في تحقيق الأثر (النتيجة النهائية).
على سبيل المثال، يتم استخدام المؤثرات البصرية والصوتية في إعلان تجاري (مثل ألوان جذابة وموسيقى حماسية) لإثارة التأثير (شعور بالسعادة أو الثقة). هذا التأثير العاطفي يهدف إلى تحقيق الأثر النهائي، وهو أن يقرر المستهلك شراء المنتج.ثلاثية الإعلام في العصر الحديثفي الإعلام التقليدي (مثل الصحف والتلفزيون القديم)، كانت المؤثرات محدودة، مما جعل التأثيرات والأثر أكثر ارتباطا بالمحتوى الحقيقي. أما في الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المؤثرات (مثل فلاتر الصور والفيديوهات المعدلة) متاحة للجميع، مما أدى إلى انتشار محتوى مصطنع مصمم خصيصا للتلاعب بالتأثير العاطفي. هذا يمكن أن يؤدي إلى آثار اجتماعية سلبية، مثل انتشار المعلومات المضللة وتشويه الحقائق.يعد الذكاء الاصطناعي نقطة تحول كبرى، حيث أصبح قادرا على توليد مؤثرات فائقة الواقعية مثل الـ«Deepfakes»، التي تستهدف بشكل مباشر التأثير العاطفي للمتلقي. هذا التطور يمحو الخط الفاصل بين الحقيقة والوهم، مما يجعل من الصعب التمييز بين التأثير الطبيعي والأثر الحقيقي، وبين المؤثرات المصطنعة.باختصار، فهم هذه الثلاثية يمنحنا القدرة على تحليل الرسائل الإعلامية بشكل نقدي، والتمييز بين ما هو حقيقي وما هو مصطنع، ومقاومة التلاعب العاطفي الذي أصبح سمة من سمات الإعلام المعاصر.