الرأي

حقوق المستهلك عند شراء سيارة مستعملة

عبدالله قاسم العنزي
في السوق المزدحم، يقف المشتري أمام سيارة لامعة تبدو في ظاهرها فرصة العمر. البائع يؤكد أنها بلا عيوب، وأنها كانت بحوزة شخص واحد فقط «يستخدمها للمشاوير البسيطة». المشتري ينجذب للسعر المناسب، وربما للون الذي يوافق ذوقه، لكنه في داخله يتساءل: هل هذه الصفقة آمنة أم أنها مغامرة قد تكلفه الكثير؟ هنا يتدخل النظام ليضع الحدود، ويبين متى يكون المشتري محميا، ومتى يعد مهملا في حق نفسه.في النظام نظام المعاملات المدنية، لم يترك المستهلك وحيدا أمام هذه المغامرات. فقد نصت المادة (141) على أن البائع يلتزم بضمان العيب الخفي الذي ينقص من قيمة المبيع أو منفعته، حتى لو لم يكن البائع على علم به. معنى ذلك أن السيارة التي تبدو سليمة لكن يخفي محركها خللا قديما، تمنح المشتري حق الرجوع على البائع، إما بردها أو بطلب إنقاص ثمنها. هذه القاعدة تجعل من العقد ليس مجرد ورقة، بل حصن يحمي المشتري من الخسارة غير المبررة.لنغوص مع الخيالات الافتراضية، تخيل أن أحد المشترين اقتنى سيارة مستعملة واتضح بعد أسبوع أن ناقل الحركة معطوب، رغم أن البائع أكد سلامته. هنا لا تعتبر المسألة مجرد «سوء حظ»، بل يحق للمشتري المطالبة بفسخ العقد والتعويض، استنادا إلى المادة (138) التي تقرر أن كل من لحقه ضرر من فعل غير مشروع له الحق في التعويض. ولو لم ينص على هذا الحق، لكان المستهلك دائما الحلقة الأضعف.لكن الأمر لا يقف عند الأعطال الميكانيكية، بل يمتد إلى الغش التجاري. فكم من سيارة عرضت بعد أن عدل عدادها ليظهر رقما أقل من الحقيقة، أو صبغت لإخفاء آثار حادث قديم. نظام مكافحة الغش التجاري واضح في مادته الثانية، إذ يجرم كل تلاعب في طبيعة السلعة أو صفاتها الجوهرية. وفي هذه الحالة، لا يكتفي النظام بحماية المستهلك بالتعويض، بل يعاقب البائع المخادع ليكون عبرة لغيره.وفي مثال آخر نفترض أن أحد الشباب اشترى سيارة بخدوش ظاهرة على الهيكل، ولم يطلب من البائع إصلاحها أو خصم قيمتها من الثمن. بعد شهر عاد ليشتكي أن السيارة «مليئة بالعيوب». المحكمة هنا سترد دعواه، لأن العيوب كانت ظاهرة عند التعاقد، والمشتري لم يعترض. النظام يحمي من يخدع، لكنه لا يحمي من يتساهل. وهذا يرسخ قاعدة أن على المستهلك أن يتفحص السلعة بعناية قبل الإقدام على الشراء.نؤكد أن النظام أيضا يشترط أن يكون محل العقد معلوما وخاليا من الغرر، كما جاء في المادة (52). فلو وصف البائع السيارة بعبارات عامة مثل «حالة جيدة» دون تحديد، وظهر لاحقا أنها غير صالحة للاستعمال، فهنا يكون العقد باطلا، لأن المبيع لم يكن معلوما على وجه اليقين. هذه المادة تحمي المشتري من الصفقات الغامضة التي تفتح الباب للنزاعات.والأهم أن النظام لا يكتفي بالنصوص الجامدة، بل يترك للقاضي سلطة تقدير التعويض وفقا للضرر. فالمشتري الذي يخسر فرصة عمل بسبب تعطل سيارته بعد الشراء، قد يحصل على تعويض أكبر من مجرد قيمة الإصلاح، لأن القاضي يقدر ما فاته من منفعة. هذا البعد الإنساني يجعل من النصوص أكثر قربا من الواقع.الخلاصة أن شراء سيارة مستعملة ليس مقامرة في ظل وجود نظام يحمي الحقوق، لكنه يبقى مسؤولية مزدوجة: على المشتري أن يتحرى ويفحص، وعلى البائع أن يصدق ويوثق. وبين هذين الطرفين يقف النظام كحكم عادل، يضمن أن لا تبنى التجارة على الغش، ولا تضيع أموال الناس بالباطل.expert_55@