نظرية تطور المدن
السبت / 21 / ربيع الأول / 1447 هـ - 21:53 - السبت 13 سبتمبر 2025 21:53
يمكن القول إن المدينة هي مجموعة من النظم الطبيعية والبشرية التي تتفاعل وتتكامل في إطار مكاني لضمان استدامتها. وبالنظر إلى المدينة باعتبارها ليست مجرد جسم مادي ثابت؛ بل نظام ديناميكي أو مجموعة أنظمة تتغير وتتكيف وتتفاعل لتحافظ على التوازن والديمومة. وهذا يتطلب أن يعمل كل عنصر من عناصر المدينة بكفاءة وبصورة متسقة دون أن يؤثر سلبا على بقية العناصر.
في التخطيط العمراني هناك العديد من الدراسات والنظريات التي تناولت تطور المدن بنمط مقارب لنظرية داروين في تطور الكائنات الحية، فمثلا مصطلح شبكة الحياة Web of Life يؤكد على ثلاثة اعتبارات هامة وهي: أولا، الارتباط والتداخل، فجميع الكائنات الحية مرتبطة ببعضها بعضا. ثانيا، الاعتماد المتبادل حيث لا يملك أي كائن القدرة على العيش بمفرده دون موارد أو تكافل ضمن الشبكة. ثالثا، التوازن والتكيف، فإذا حدث تغير في جزء ما سوف يقود ذلك إلى تكيف الشبكة بمجملها لتعيد تنظيم نفسها وتحافظ على التوازن.
وغني عن البيان فالتطور الذي أعنيه ليس مقتصرا على نمو المدينة أو البناء المادي؛ بل قدرة مكونات المدينة المادية وغير المادية على التفاعل، والتغير المستمر، والتشاركية، والتكيف لمواجهة التحديات المستقبلية. وهذا ليس بجديد فبينما تؤكد نظرية داروين على أن الكائنات الحية تتكيف مع بيئاتها لتصبح أكثر ملاءمة للظروف عبر الزمن؛ نجد أن الأنظمة الحضرية تتكيف مع التغيرات البيئية، الاقتصادية والاجتماعية، أو هكذا يفترض وصولا لمرحلة التوازن والاستدامة.
إن التغيرات الجينية هي المفتاح للبقاء والتطور، فالكائنات التي تمتلك صفات أكثر ملاءمة لبيئتها تتطور وتظل قادرة على العيش وتتوارث تلك الصفات. وقياسا على ذلك، تتنوع أنماط المدن، من المدن الكبيرة إلى التجمعات العمرانية الصغيرة، وكل منها يتطور ويتبنى سياسات حضرية تتكيف مع معطيات العصر لضمان البقاء؛ في حين تعجز بعض المدن عن مواكبة التغيرات لتموت في نهاية المطاف. لذلك، فإن التعديلات في البنية التحتية، والتشريعات العمرانية، والنظم الإجرائية والتغير مع متطلبات العصر أمر حتمي لتطور المدن. وهذا يعني أن المدن غير القادرة على التماهي مع متطلبات الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي لن تكون قادرة على مجاراة التغير في السوق الاقتصادي.
إن مفهوم تطور المدن يعتمد على بناء تصور حول أهمية التوازن والتفاعل والتشارك بين عناصر المدينة ومكوناتها في سياقاتها الوطنية والإقليمية وآلية الحفاظ على استدامة النظم الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية. يساعد فهمنا لآلية ترابط مكونات المدينة على تطوير السياسات الحضرية في إطار يضمن استدامتها، فالمدينة هي شبكة مترابطة من البنى التحتية، ومصادر الطاقة، وخدمات النقل، والمباني، والمساحات الخضراء. فكما تؤكد نظرية داروين على تفاعل الكائنات مع بعضها بعضا في إطار البيئة للتكيف مع عمليات الحياة. تؤثر المدينة على النظام البيئي والتوازن الطبيعي، وهو ما يعني أن التوازن في مكونات المدينة يمكن أن يقود إلى تحسين جودة الهواء، وتقليل درجات الحرارة، وترشيد استخدام الموارد. إن إدارة المياه، وتدوير النفايات، والزراعة الحضرية، واستخدام مصادر طاقة نظيفة، وتوسيع الغطاء النباتي كلها مكونات متداخلة تحقق استدامة البيئة الحضرية. كما تعتمد المدن على مبدأ التكافل والتشارك، فالمدن تعتمد على بعضها بعضا في السياق الإقليمي لضمان استمرارها.
التطور هو سنة الحياة، فكما تتطور الكائنات الحية، فإن المدن تتطور استجابة للبيئة واحتياجاتها، مما يجعلها أنظمة تستجيب مع تغيرات الزمن. باختصار، فهمنا لآليه تطور المدينة يساعد على تبني سياسات حضرية مبتكرة ومرنة ومتجددة تضمن حياة متوازنة وأكثر استدامة للمجتمعات.