الرأي

لا جديد.. إسرائيل لا تريد السلام

علي المطوع


خسرت إسرائيل الدوحة كأهم نافذة مشرعة كانت تطل من خلالها على المنطقة العربية، فالمتعارف عليه أن دبلوماسية قطر هي التي تجمع خلافات الفرقاء واختلافاتهم، لتصهرهم جميعا في بوتقة حلول واحدة، لتشكل ويتشكل من خلال تلك الدبلوماسية الناعمة؛ المنهجية التوافقية التي تقوم على الحوار بين الفرقاء، عبر أساليب تفاوضية تفضي إلى حلول تضبط الأوضاع، وتعيد دوزنة العلاقات والشراكات على مقام توافقي هادئ، ومقال عقلاني متزن، يشكلان في المجمل ذلك الخطاب الخليجي الهادئ الرصين، الذي يضمن سيرورة العلاقات وديمومتها، بما يخدم توجهات المصالح المشتركة أيا كانت وجهاتها واتجاهاتها.

الثلاثاء الماضي شنت إسرائيل هجوما على قطر، بذريعة استهداف بعض قيادات حماس المقيمين على أرضها بتنسيق مسبق مع أمريكا!، تلك القيادات التي ما فتئت قطر تردد حقيقة مغزى تواجدهم الذي كان وما زال الهدف منه الوصول إلى اتفاقات وتفاهمات تخفف من حدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي احتد واحتدم بشكل غير مسبوق بعد السابع من أكتوبر عام 2023، ذلك الحدث الاستثنائي الذي يبدو أن متطرفي الكيان الإسرائيلي ما زالوا يستغلونه لتبرير تجاوزاتهم في كل الشرق الأوسط، بدءا من غزة مرورا بسوريا وصولا إلى قطر، البلد الخليجي المسالم.

نتنياهو وحكومته يمارسان في المنطقة عربدة سياسية غير مسبوقة، تجاوزت كل الخطوط الحمراء، ويبدو أن عدم الحسم في غزة ما زال هاجسا يؤرق الحكومة الإسرائيلية، ويجعلها تبحث عن أي انتصارات وهمية تثبت بها علو كعبها على المنطقة وشعوبها.

الهجوم على قطر ضربة لمصداقية أمريكا أمام نفسها والعالم قبل أن تكون لقطر والخليج، جاءت هذه الضربة في سياق حركات بربرية إسرائيلية عديدة، لم تقتصر على الداخل الفلسطيني، بل تجاوزته لتسجل تجاوزات في كامل المنطقة العربية، هذا العدوان على قطر سيصنع موقفا دوليا موحدا أكثر تشددا ومصداقية تجاه دولة مارقة لا تحترم مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه نفسها والآخرين.

صمت أمريكي مطبق صاحب العملية، وتبريرات مخجلة بعدها، كل ذلك يؤكد أن الإدارات الأمريكية كانت وما زالت تغطي وتعطي إسرائيل ضوءا أخضر، لتمارس سياساتها العدوانية تجاه دول المنطقة وآخرها قطر.

صدم الشارع الخليجي والعربي والعالمي من الهجوم الأخير، فقطر لديها أفضل العلاقات مع أمريكا التي تعتبرها شريكا فاعلا في كثير من القضايا التي ساهمت قطر في حلها، ومع ذلك تنكرت أمريكا لكل تلك الجهود القطرية واستبدلتها باصطفاف كامل مع الصلف الإسرائيلي، الذي أراد أن يقول للعالم قبل دول المنطقة وشعوبها، أن لا حصانة لأحد وإن إسرائيل قادرة على الضرب في أي مكان وزمان.

المنطقة العربية تغلي، والعربدة الإسرائيلية تزيد، وخيارات الدول الخليجية كبيرة وكثيرة، في الحد من هذا الصلف الإسرائيلي، خاصة أن دول المجلس التعاون تمثل بمكانها ومكانتها عمقا عربيا خالصا وخاصا، تم استهداف أحد أعضائه بحجج واهية، ومن يدري ربما سيفكر نتنياهو في هدف جديد ليخفي عوار فشله في مغامراته العسكرية الأخيرة.

السعودية بقيادتها الحكيمة وبعمقها الاستراتيجي الكبير وموقعها الجغرافي المميز وتبنيها القضية الفلسطينية منذ بدايتها؛ قادرة وشقيقاتها في دول الخليج والعالم العربي، على وقف التجاوزات الإسرائيلية، ووأد أحلام نتنياهو التوسعية، فالسياسة السعودية منذ القدم تقوم على الإيمان بالحق الفلسطيني، والحفاظ على الأمن القومي العربي، الذي كان وما زال تحت التهديد الإسرائيلي منذ قرابة الثمانين عاما وبغطاء أمريكي مستمر؛ ظاهر ومستتر!