هل خصم الدرجات سيحل مشكلة «غياب» الطلاب؟!
الخميس / 19 / ربيع الأول / 1447 هـ - 07:23 - الخميس 11 سبتمبر 2025 07:23
أعتقد أنه ليس أفضل الأساليب التي يمكن أن تتخذ من قبل التعليم، وليس بجديد، فقد استخدم في سنوات ماضية دون جدوى كبيرة في حل مشكلة الانضباط المدرسي، كما أن الأسرة أصبحت تميل إلى الاهتمام بالمهارات والجانب التعليمي أكثر من مسألة الدرجات، أما فكرة عدم انتقال الطالب إلى السنة القادمة أو الفصل الدراسي التالي، فلا أعلم مدى جديتها، لكن أعتقد أن هذه أيضا تحتاج إلى إعادة نظر، لما يترتب عليها من هدر اقتصادي على منظومة التعليم، وآثار سلبية تربوية ونفسية واجتماعية على الطالب وأسرته، وبالتالي نحن نزيد من تفاقم الوضع دون حلول ناجعة وحقيقية لمشكلة الغياب الطلابي.ومن الواضح أن تحقيق هذا الانضباط لا يتم بمجرد رسائل التحذير والوعيد وخصم الدرجات، فليست هذه أفضل الحلول التربوية والنفسية؛ إذ إن مثل هذه الأساليب قد تفرض التزاما وقتيا قائما على الخوف، لكنها لا تبني قناعة داخلية لدى الطالب ولا تزرع في نفسه دافعية ذاتية للاستمرار على المدى الطويل.وبالتالي هناك سؤالان مهمان لهذه المشكلة، والإجابة عنهما قد تضعنا على الطريق الصحيح لحل موضوع الغياب الطلابي: هل البيئة المدرسية جاذبة ومحفزة للطلاب؟ وكيف يمكن معالجة الفجوة القائمة بين المدرسة والأسرة؟باعتقادي، إن المدرسة تعاني من عدة مشكلات، أولها طول العام الدراسي، وحتى مع إقرار الفصلين الدراسيين ما زال بعدد (180 يوما)، وبالتالي (زيد أو أخو عبيد) دون فرق، بالإضافة إلى مستوى المرافق التعليمية ونظافتها،والمقصف المدرسي ونوعية الوجبات التي ما زالت بعيدة عن المعايير الصحية والقيمة الغذائية للطلاب، وضعف تنوع الأنشطة، ودسامة الجوانب المعرفية مقابل ضعف تنمية المهارات، ومدى ارتباط المناهج الدراسية بالحياة اليومية والواقع العملي، وقدرتها على إعداد الطلاب للمستقبل.والسؤال الأكثر أهمية هنا: هل المدرسة آمنة من وحش التنمر والاستقواء؟تشير الدراسات التربوية إلى أن الطالب حين يشعر بالانتماء والاحترام والأمان، ويتاح له التعبير عن ذاته والمشاركة في أنشطة متنوعة، يزداد دافعه للحضور والتعلم بفاعلية. في المقابل، إذا اقتصرت المدرسة على التلقين والروتين وأجواء التهديد والعقاب، فإنها تتحول إلى بيئة طاردة، فيضعف الحضور وتقل الحماسة للتعلم. لذلك فإن بناء مدرسة جاذبة يتطلب معلمين متفهمين، ومناهج مرتبطة بحياة الطالب، وأنشطة تنمي المهارات، وعلاقات إنسانية دافئة توازن بين الانضباط والتحفيز، وبذلك تتحول المدرسة إلى فضاء يجد فيه الطالب ذاته، ويقبل عليها برغبة لا برهبة.أما عن الفجوة بين المدرسة والأسرة، فمن الواضح أن هناك فجوة قائمة، إذ لم تنسجم المدرسة بالشكل الكافي مع الأسرة والمجتمع، وغياب هذا التعاون بين الطرفين يؤثر سلبا على الطلاب وحضورهم، وبالتالي على تحصيلهم وسلوكهم.هذه الفجوة تظهر بوضوح في التقويم الدراسي الخاص بالأسرة عند قرب الإجازات القصيرة (قبل وبعد)، وفي شهر رمضان، والفترة التي تسبق الامتحانات النهائية. ومن جانب المدرسة، فإن التواصل كثيرا ما يكون أحادي الاتجاه (إشعارات، تعاميم، تحذيرات) بدلا من الحوار المتبادل. كما أن الواجب المنزلي ما زال بؤرة توتر بين مدرسة ترى فيه تدريبا ضروريا وأسرة تراه عبئا إضافيا. وقد أظهرت تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن مشاركة أولياء الأمور داخل المدارس تراجعت بشكل واضح بين 2018 و2022، وهذا التراجع يفرض على المدرسة وضع خطط جديدة لإعادة بناء الثقة وجسور التواصل مع الأسر.والافتراض الأخطر أن المدرسة ما زالت ترى أن الآباء لهم مطلق السلطة في إجبار الأبناء على الحضور وعدم الغياب، وبالتالي يتحملون كامل المسؤولية، وقد ورد كثيرا في التعاميم أنه يمكن إحالتهم للتحقيق والعقاب، في حين تتجاهل المدرسة العوامل التي تجعل الطالب يرفض الذهاب إليها، وهذا يعكس قصورا في إدراك أن جذب الطالب للتعليم هو مسؤولية مشتركة.فالانضباط الحقيقي ينشأ من الإقناع والحوار والتحفيز الإيجابي، لا من التخويف والعقاب، فحين يدرك الطالب أن التزامه بالنظام يحقق مصلحته أولا، ويقوده إلى النجاح والتقدير، يصبح الانضباط سلوكا ثابتا نابعا من داخله.وبذلك يتضح أن معالجة الغياب الطلابي لا يمكن أن تقوم على إجراء واحد، بل على منظومة متكاملة تجمع بين التحفيز والتشجيع، وإشراك الأسرة، وتحسين البيئة المدرسية، والأنشطة المتنوعة التي تشد الطلاب، والمناهج المرتبطة بحياتهم وتنمي مهاراتهم، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، وأن يكون التقويم الدراسي أكثر انسجاما مع الأسرة والمجتمع وثقافته.وأقترح أن يكون هناك تحديد لأيام شديدة الإلزامية بالحضور لأهميتها، وأيام أقل إلزامية مع الاستفادة من التعليم «عن بعد» لتعزيز المرونة في التقويم الدراسي والتقليل من ظاهرة الغياب.3OMRAL3MRI@