الرأي

المنصات موائد العقول

دخيل سليمان المحمدي
في زمن تتزاحم فيه المنصات وتتدفق فيه المعلومات بلا توقف، بات المحتوى يشبه الطعام على موائد العقول؛ فإما أن يكون غذاء نافعا، أو فاسدا مضرا.المحتوى المفيد مثل الطعام الصحي، يبني الفكر، ويعزز الوعي، ويرتقي بالذائقة العامة. أما المحتوى المفلس، فهو كالطعام غير الصحي؛ يملأ المساحة مؤقتا لكنه يترك أثرا سيئا في النفوس، ويشوه الذوق، ويضعف منظومة القيم.ومن هنا تبرز مسؤولية صانع المحتوى والمتلقي معا: فالأول أمانة في يده ألا يقدم إلا ما ينفع، والثاني واجبه أن يحسن الاختيار وألا يستهلك كل ما يعرض عليه.فالمشكلة البارزة أن البعض جعل جل محتواه مديحا أجوف كقصائد شعراء البلاط العباسي في الزمن القديم، لا روح فيه إلا التزيين والتلميع، من أجل مصالحه الشخصية، والبعض منهم من غرقوا في بحور السلبية لا يتقنون إلا النقد والتجريح. وبين هذا وذاك ضاع جوهر الكلمة الصادقة، الكلمة التي خلقت لتبني وعيا، وتوقظ فكرا، وتضيء طريقا.إن معركة الوعي اليوم ليست أقل شأنا من معركة الصحة، فكما نحرص على طعامنا من الفساد، علينا أن نحرص على محتويات عقولنا من التلوث، فالمحتوى الإعلامي ليس مجرد كلمات تقال أو صور تعرض، بل هو رسالة تحمل أثرها في العقول والقلوب، وعليه يجب أن يكون محتوانا نافعا وبناء، يرفع من وعي المجتمع ويثري الفكر ويصون القيم، ولا يكون وسيلة لفساد العقول وتشويه الحقائق فالكلمة أمانة ومسؤولية.أخي المتلقي علينا أن نكون أكثر وعيا، وأن نبتعد عن أصحاب المحتوى السلبي الذين يملؤون حساباتهم بالمفاخرات الزائفة والاستعراضات الفارغة. فبعض مشاهير (الفلس) لا يقدمون سوى الوهم المضلل، يزينون به حياة مترفة وهم في الحقيقة يعيشون غيرها، فيشعرون المتلقي بالنقص والإحباط بدل أن يمنحوه دافعا للتطور والإنجاز.أخيرا: ماذا نريد أن يترك المحتوى فينا؟إن كنا نطمح لمجتمع قوي، مثقف، واع، فعلينا أن نغذي فضاءنا الرقمي بالمحتوى الهادف، وأن نقلل من مساحة المحتوى السلبي. فالمحتوى في النهاية ليس مجرد مادة تشاهد، بل هو استثمار في العقول والقلوب، إما أن يبنيها أو يهدمها.dakhelalmohmadi@