الضيافة والسياحة: وجهان لصناعة واحدة
الخميس / 19 / ربيع الأول / 1447 هـ - 07:11 - الخميس 11 سبتمبر 2025 07:11
تعد السياحة في عالم اليوم من أبرز الصناعات وأكثرها تأثيرا في الاقتصاد والمجتمع. ووفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للسياحة «UN Tourism»، بلغ عدد السياح الدوليين العام الماضي نحو 1.4 مليار سائح، سافروا لاكتشاف وجهات جديدة للترفيه أو العمل أو التعلم. هنا يبرز دور الضيافة كعنصر جوهري في نجاح تجربة السائح؛ فهي ليست قطاعا منفصلا عن السياحة، بل القلب النابض لها. فدون الترحيب والإقامة المريحة والتجارب المميزة، تبقى السياحة مجرد انتقال بلا روح.ما هي الضيافة؟الضيافة خلق إنساني نبيل يقوم على الترحيب بالضيف ورعايته وإكرامه. ويعرفها قاموس أكسفورد بأنها «الاستقبال السخي والودود للضيوف أو الغرباء والترفيه عنهم». ومن الجانب النظري إلى التطبيق العملي، تتجلى الضيافة كصناعة متكاملة تقوم على ثلاثة أبعاد:الفن: ابتكار تجارب عاطفية لا تنسى.العلم: إدارة العمليات بكفاءة، عبر تصميم الخدمات وتوظيف التكنولوجيا.القيمة: تعزيز التبادل الثقافي وبناء جسور بين الشعوب ودعم الاقتصادات.تتجسد هذه الأبعاد عبر ستة قطاعات مترابطة: السفر والسياحة، الإقامة والإيواء، الترفيه، الأطعمة والمشروبات، الفعاليات، والمجالات المساندة. ورغم استقلال كل قطاع، إلا أنها تتناغم لتشكل تجربة متكاملة؛ فالسائح الذي يحضر مؤتمرا يحتاج إلى رحلة طيران وفندق ومطعم، وقد يزور متحفا أو مسرحا في رحلته.الحاضر والمستقبلاليوم، ومع رؤية السعودية 2030، تمضي الضيافة والسياحة كوجهين لصناعة واحدة تقود التنمية المستدامة عبر الابتكار وتمكين المجتمعات المحلية وتقديم تجارب نوعية تلبي طموحات الأجيال القادمة. ففي عام 2024 استقبلت المملكة أكثر من 115 مليون زائر محلي ودولي، فيما تجاوز الإنفاق السياحي 284 مليار ريال. هذا النمو كان ثمرة استراتيجية دقيقة ارتكزت على بنية تحتية عالمية المستوى وتحديث شامل للقوانين والتراخيص السياحية، ما سهل الاستثمار ورفع كفاءة التشغيل.انعكست هذه الرؤية في مشاريع نوعية أعادت رسم ملامح الإيواء، عبر مجموعات ضخمة من الغرف الفندقية تمتد من وجهة البحر الأحمر إلى رؤى المدينة ومسار مكة وغيرها. مع هذا الزخم تسعى المملكة إلى رفع طاقتها الفندقية من 475 ألف غرفة اليوم إلى 675 ألف غرفة بحلول 2030، أي بزيادة 200 ألف غرفة جديدة تمثل نموا بنسبة 42%.يمتد هذا الطموح إلى وجهات كبرى مثل الدرعية، القدية، والعلا التي تعيد تعريف السياحة الثقافية والترفيهية والبيئية. كما أصبحت الفعاليات الرياضية العالمية جزءا من المنظومة السياحية؛ حيث استضافت المملكة سباق فورمولا 1 في جدة، ورالي داكار في نيوم، إلى جانب بطولات كبرى في كرة القدم والملاكمة والتنس، بما يجعل الرياضة عنصرا جاذبا يعزز تجربة الزائر. أما قطاع الأطعمة والمشروبات، فقد برز كعنصر جاذب للسياحة الحديثة، حيث بات المطبخ السعودي جزءا من الهوية الوطنية وركيزة تعرف العالم بتنوع النكهات وثراء الموروث المحلي. وفي قطاع النقل، تشهد المملكة توسعات نوعية تشمل إطلاق طيران الرياض كناقل وطني جديد يربط المملكة بأكثر من 100 وجهة عالمية، إلى جانب تطوير مطارات الدمام وأبها، وإطلاق مطار الملك سلمان الدولي ليكون من أهم مراكز الطيران عالميا.ختاما، تؤكد هذه المشاريع أن السياحة لا تزدهر دون ضيافة متكاملة، فكل ارتفاع في أعداد الزوار يقابله توسع في خدمات الضيافة وتجاربها. ولم تكن هذه المنجزات لتتحقق لولا فضل الله ثم القيادة الرشيدة وجودة الضيافة المتجذرة في ثقافة المجتمع السعودي، التي منحت السياحة معناها الحقيقي ورسخت موقع المملكة كوجهة عالمية تمزج بين أصالة القيم وروح العصر، وتمضي بثقة نحو ريادة الوجهات السياحية.