الرياض والدوحة.. أخوّة الدم بمواجهة السهام الغادرة
الخميس / 19 / ربيع الأول / 1447 هـ - 07:04 - الخميس 11 سبتمبر 2025 07:04
يوم الثلاثاء يمكن وصفه بـ»الأسود». أمست الشقيقة الدوحة مجروحة. طالتها سهام الغدر. لم يمر ذلك مرور الكرام. تداعت الرياض، وعواصم الخليج، والعالم، لذلك الحدث الجلل.جميع التحليلات التي خرجت عقب قصف سلاح الجو الإسرائيلي العاصمة القطرية، لا تعني لي. من أخذ إذن من؟ هل وافقت واشنطن على الهجوم؟ هل كان قرارا، اتخذه أعضاء الكابينت الإسرائيلي، دون إخطار البيت الأبيض؟ كل ذلك لا يعني لي. ما أفهمه أن تلك خطوة تعزز حماقات إسرائيل التي تجاوزت كل التوقعات؛ والخطوط الحمر.الحقيقة أن العداء وافتعال الخصومات غير مستغرب، من قبل كيان في أساسه غاصب، لا يملك من الشرعية القانونية والدولية قيد أنملة. وذا يؤكد أن العالم الذي يدعي الحرية أمام استحقاق يؤسس اصطفافا للجهود الدولية المبنية على مواقف دول بعينها، ومنظمات، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن، لإجبار النظام الإسرائيلي الإرهابي، على الامتثال للقوانين والأعراف الدولية.وقبل ذلك، إدانة الاعتداء الآثم على الدوحة، الذي يجب أن يقترن بوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية، التي تقوض أمن واستقرار المنطقة. وإلا سيكون ذلك مجالا لاتساع التطرف المنظم، ومنطلقا لانتشاره في العالم.أتصور أنه بالنظر للموقف السعودي الصادر عقب الحادثة، يمكن فهم الرؤية السابقة. اعتبرت الرياض أن التجاوزات الإسرائيلية السافرة والصارخة تجاه الدول العربية، وآخرها ضد دولة قطر الشقيقة، يدلل بما لا يدع مجالا للشك، بأن إسرائيل، لا تهتم ولا تحترم القوانين والمواثيق، والأعراف الدولية.حقا وبلا جدال، فإن الاعتداء الإسرائيلي الصارخ على سيادة دولة قطر، يعد اعتداء على أمن دول مجلس التعاون الخليجي، لا بل والأمن العربي المشترك.وهذا قالته السعودية، في وضح النهار. إنه ليس شعارا سياسيا أو عنوانا لـ»الطبطبة» على الدوحة، بقدر ما هو أساس بنيت عليه قواعد صلبة، لعلاقة دول الخليج بين بعضها بعضا، منذ بداية تأسيس مجلس التعاون، وقبل ذلك.وحين تقول المملكة على سبيل المثال لا الحصر، إنها تقف وراء شقيقتها قطر، في اتخاذ الإجراءات والتدابير التي تحمي سيادتها وأمنها الوطني، وكل ما من شأنه عدم تكرار هذا التطاول الغاشم، فذلك ليس كلاما مرسلا، أو موقفا عابرا والسلام. بالطبع لا. فهي تعني ما تقول، لماذا؟ لأنها تؤمن بوحدة المصير. هذا من جانب، ومن آخر، فهناك إمكانية لتوظيف ذلك الموقف؛ كرسالة واضحة للجميع، تعزز فكرة التلاحم بين الرياض والدوحة، وبقية دول الخليج. يفهمها العرب، أم لا، تلك مشكلتهم.سأخرج هنا عن النص قليلا. لدي ما لم أستطع تجاهله، على طريقة «في فمي ماء». الصحافيون أسرى للأسئلة. سؤال: ما مكاسب إسرائيل من سهام الغدر التي سلطتها على قطر، وما خسائرها؟ المكاسب: صفر. الخسائر، عديدة. أولا: استبعاد الدوحة كوسيط في الأزمة بينها وبين الجانب الفلسطيني، ونسف كل جهودها القائمة على جمع الطرفين المتنازعين، ما يعقد المشهد، ويعيده للمربع الأول. ثانيا: تأجيج الرأي العام الرسمي والشعبي الإقليمي والدولي، ورؤية أن سياستها تخريبية لا بناءة. ثالثا: إثبات أنها تسير على خطى مارقة، بعيدة كل البعد عن منطق الدولة، الذي تحاول اكتسابه بالحديد والنار. رابعا: تبخر ورقة «الدفاع عن النفس» التي صدعت بها العالم.دون أدنى شك إن إيقاف إسرائيل عند حدها بالقانون الدولي، بات ضرورة وليس ترفا، لأن الصمت على عربدتها، قد يتم ترجمته على شكل أمرين، ما هما؟ قبول عالمي بتلك الاعتداءات، يقوم على صرف نظر، يبطن موافقة بلا تصريح. أو أن تفسر تل أبيب، السكوت عن أساليب حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العدائية، شرعنة لإرهاب الدولة الذي تنتهجه. وكلتا الحالتين مصيبة، يتعامل معها جاهل أحمق، يملك قرار افتعال الحروب، دون تفكير في العواقب.أجزم أن التطاول على الدوحة يمثل جرأة على منطقة الخليج ككل، وهي التي تشكل صورة الاعتدال في هذا الجزء الهام من الأرض، وذلك خطأ لا يغتفر، ولن تسامحه لا حكومات المنطقة ولا شعوبها.فالخليج بنهاية المطاف يجسد مفهوم السلام، بالتطوير والبناء والنهضة، دون دعم أو منة من أحد. والدليل تسابق الغرب، لاسترضاء تلك البقعة من الأرض، التي تعد صمام أمان سياسيا واقتصاديا للعالم بأسره.إن المكالمة التي أجراها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر، ووضع الأول مقومات بلاده للثاني، تعطي دلالات واضحة، أن المساندة الأخوية، مبنية على تقاسم العيش في دول تزهر بالممتلكات، على رأسها الإنسان، والقيم المشتركة الضاربة في أعماق التاريخ.قصف الدوحة جرح تداعت له الأرض ومن عليها. ليس مبالغة إن قلت العالم عاش صدمة كبيرة. المهم، أن شعبا - أقول شعبا وليس شعوبا من باب الوحدة الجامعة لأبناء دول الخليج - لم يتألم، لأنه لا يعرف معنى الألم.رباطة الجأش حاضرة، لم يشتر هؤلاء الشجاعة والصبر بالدولار الأخضر، ولا بالنفوذ، ولا بالنفط، والغاز. لقد ولدت معهم، ورثوها من جينات الآباء والأجداد، وبقيت حتى اليوم.لذا؛ تشترك الرياض والدوحة.. بأخوّة الدم لمواجهة السهام الغادرة.