من التلقين إلى الاكتشاف: تعزيز التعليم المبكر باللعب والتكنولوجيا
الخميس / 19 / ربيع الأول / 1447 هـ - 06:41 - الخميس 11 سبتمبر 2025 06:41
في الفصول الدراسية الابتدائية بالمملكة، يجد الأطفال أنفسهم غالبا محاصرين بأسلوب التعليم التقليدي الذي يعتمد على التلقين والحفظ. هذا الأسلوب، رغم بساطته وسهولة التطبيق، يولد شعورا بالملل وفقدان الشغف للتعلم. مع طول اليوم الدراسي واستمرار الأطفال في تلقي المعلومات بشكل روتيني، تبدأ المشاغبات الصغيرة في الظهور، ويصبح الفصل بيئة أقل إنتاجية وأكثر توترا، بعيدا عن روح الفضول والاكتشاف التي يجب أن تميز المرحلة الابتدائية.لكن هناك رؤية مختلفة يمكن أن تغير هذا الواقع، وهي التعلم القائم على اللعب. هذا النهج لا يقتصر على المتعة فقط، بل يعتبر أداة تعليمية متكاملة تنمي مهارات الأطفال المعرفية والاجتماعية والعاطفية في الوقت نفسه.الدراسات الحديثة من جامعات مثل كورنيل وكورتلاند ونيوهامبشاير، تؤكد أن إدماج اللعب في التعليم يحفز التفكير النقدي، ويساعد الأطفال على حل المشكلات، ويعزز التفاعل الاجتماعي، بل ويزيد من مشاركتهم في الصف بشكل ملحوظ. الأطفال الذين يشاركون في أنشطة اللعب التقليدية مثل بناء المكعبات أو لعب الأدوار وتمثيل القصص، يطورون مهارات هندسية ولغوية ويصبحون أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرهم وفهم الآخرين. كما أن الألعاب الجماعية، كالبحث عن الكنز أو تحديات التعلم التعاوني، تعزز روح التعاون وتحل المشكلات بطريقة طبيعية وممتعة.إلى جانب اللعب التقليدي، أصبح للألعاب الالكترونية التعليمية دور بارز في تطوير مهارات الأطفال. تطبيقات الرياضيات واللغة التفاعلية تساعد على تعلم الحروف والأرقام بطريقة ممتعة، بينما تسمح ألعاب الواقع المعزز للأطفال باكتشاف العلوم والطبيعة من خلال تجارب تفاعلية، مثل متابعة نمو النباتات أو استكشاف الحيوانات في بيئات افتراضية. وحتى ألعاب التفكير النقدي، التي تحاكي مواقف تتطلب اتخاذ قرارات وحل مشكلات، تربط بين التسلية والتعلم بطريقة فعالة.التجارب العالمية أثبتت نجاح هذا النهج. في الولايات المتحدة، دمجت مدارس HighScope وMontessori اللعب والتجربة العملية ضمن المناهج، ما حسن الانتباه والتفاعل الاجتماعي لدى الأطفال ونمى مهارات حل المشكلات لديهم.في المملكة المتحدة، ركزت برامج Forest School على التعلم في الهواء الطلق، حيث يكتسب الأطفال مهارات التعاون والاستكشاف ضمن بيئة طبيعية محفزة. أما في ألمانيا، فقد اعتمد نظام Kindergarten على التعلم الحر واللعب الموجه، مما ساعد الأطفال على تطوير التفكير النقدي والقدرة على التعلم التعاوني منذ الصغر.في السعودية، بدأت هذه الرؤية تدريجيا في مرحلة الطفولة المبكرة، خاصة في رياض الأطفال، حيث وضعت وزارة التعليم أسسا لتطوير مهارات الأطفال من سن 3 إلى 8 سنوات، مع التركيز على التنمية الشاملة للطفل. لكن التطبيق العملي في المرحلة الابتدائية يواجه تحديات واضحة، إذ يفتقر المعلمون أحيانا إلى التدريب المتخصص على دمج اللعب ضمن المناهج، كما أن الموارد والأنشطة المناسبة محدودة في كثير من المدارس، مما يترك فجوة بين النظرية والتطبيق.رغم هذه الصعوبات، تكمن الفرصة في إعادة تصميم الفصول الدراسية لتكون أكثر مرونة وتفاعلية، وإعطاء الأطفال مساحة للعب الموجه وتشجيع التعلم من خلال التجربة، واستخدام الألعاب التعليمية أو التكنولوجية، ليصبح الفصل بيئة حقيقية للاكتشاف والابتكار. كما أن إشراك الأسر في هذا النوع من التعلم يعزز استمرارية الفضول والاستكشاف خارج المدرسة، مما يضمن أن الطفل لا يفقد حماسه بعد انتهاء الدوام المدرسي.إن التعلم القائم على اللعب ليس مجرد أسلوب، بل استراتيجية تطويرية لتغيير العلاقة بين الطفل والمعرفة. عند دمجه بذكاء في المنهج الدراسي، خاصة في الصفوف الابتدائية، يمكن تقليل المشاغبات، زيادة التركيز، وتنمية مهارات الأطفال بشكل متوازن. ما يحدث اليوم في كثير من الفصول يظهر أن الطريقة التقليدية وحدها لم تعد كافية، وأن المستقبل التعليمي للأطفال في السعودية يحتاج إلى لمسة من الإبداع والحرية، حيث يصبح التعلم تجربة ممتعة ومستمرة، لا مجرد تلقين وحفظ.