عندما يضرب التزييف المجلات العلمية
الأربعاء / 18 / ربيع الأول / 1447 هـ - 00:40 - الأربعاء 10 سبتمبر 2025 00:40
بعد أن طال توسع نشر المعلومات المغلوطة والمضللة منصات التواصل الاجتماعي، امتد نشر الأخبار العلمية الزائفة والمعلومات المضللة في المقالات العلمية، ووفقا لمجلة نيتشر، فقد نشر في عام 2020 ما يقرب من 100 ألف مقال علمي في العالم حول كوفيد 19، منها 300 ألف مقالة مطبوعة مسبقا، أي أنها لم تخضع للتحكيم العلمي، سحبت منها ما يقرب من 200 مقالة، وخلال الفترة الطويلة الممتدة لما بعد كوفيد 19 أصبحت هذه المقالات متاحة على مواقع المجلات الالكترونية ومنها إلى موجزات الأخبار، «وقد» تصبح هذه المقالات مصادر لأخبار علمية زائفة.
يعرف التضليل في المجلات العلمية بأنه نشر معلومات خاطئة أو مضللة بقصد خداع الآخرين، ويشمل ذلك المجلات المفترسة التي تنشر الأبحاث المشكوك في جودتها بغرض الربح، والتلاعب بالبيانات أو استخلاص استنتاجات غير مبررة، وتقديم بيانات صادقة بطرق خادعة.
ومع صعوبة تقييم جودة المقالات العلمية، وتفاوت جودتها بشكل كبير، تنشر «بعض» المجلات العلمية أبحاثا من دون تحكيم علمي، عندها يصبح التضليل الإعلامي شائعا، وهذا يسهل من وصولها إلى غرف الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن أسباب التزييف العلمي في نظام النشر العلمي الحالي، مجاراة التقدم العلمي، الحصول على المكافآت المالية من قبل العلماء وهذا يدفع الناشرين إلى إنتاج دراسات مزيفة والترويج لها، وبالطبع تؤدي البيانات العلمية المزيفة إلى أخبار علمية مزيفة.
من الناحية المثالية، ينبغي أن تتمتع المعلومات العلمية بخصائص مثل: «الموضوعية، الموثوقية، الاكتمال، الدقة، الملاءمة، والقيمة»، وقدرت مجلة نيتشر أن حوالي ثلث الباحثين متورطون في الانتحال وتزييف البيانات من بين 7 آلاف عالم شملهم استطلاع المجلة، اعترف 33% منهم بانتهاك الأخلاقيات العلمية.
من أشكال التضليل في المجلات العلمية ما يعرف بالمجلات المفترسة، وهم ناشرون يستغلون النظام المفتوح للوصول إلى المجلات لنشر أبحاث ذات جودة مشكوك فيها بهدف الربح، كذلك تضليل البيانات من خلال تقديم بيانات تم الإبلاغ عنها أنها مضللة أو خادعة، واستخدام الأساليب الإحصائية بشكل مضلل، أو إزالة القيم المتطرفة بطريقة غير مبررة، أو إنشاء رسوم بيانية خادعة، أو تقديم استنتاجات غير صحيحة وفق البيانات، ومن أشكال التضليل المحتوى الخاطئ المتعمد والمتضمن نشر محتوى خاطئ كليا أو جزئيا بنية الخداع وباستخدام تنسيق يشابه الأخبار أو التقارير الموثوقة.
وتشير شركة تجميع الأخبار RealClearScience إلى أن الكثير من التقارير العلمية عبارة عن مستنقع من العلوم الزائفة ذات الدوافع الأيديولوجية، أو الأبحاث المتضخمة، أو المصطلحات التقنية التي لا يستطيع أحد تقريبا فهمها، وفي العلوم الاجتماعية أصبح التسييس واضحا وأكثر قبولا، وهنا أستحضر نموذج التجربة غير الأخلاقية التي قام بها ثلاثة علماء أمريكيين عام 2018، فعلى مدار عام كامل، كتبوا عمدا مقالات علمية عبثية، مخصصة لمختلف مظاهر مكافحة الظلم الاجتماعي مثل: دراسات النسوية، ثقافة الذكورة، قضايا الهوية العرقية، التوجه الجنسي، صورة الجسم الإيجابية، وغيرها، لإثبات أن الأيديولوجية في هذا المجال قد تغلبت منذ زمن طويل على المنطق السليم، وفي المجمل كتبت 20 ورقة بحثية حظيت 7 منها بمراجعات من علماء بارزين، وقبلت للنشر في مجلات متخصصة في الدراسات الثقافية ودراسات الهوية، حتى أن أحد أكثر أعمالهم نال جائزة خاصة، وبعد اندلاع الفضيحة كتب مؤلفو هذه الأعمال رسالة مفتوحة إلى المجتمع العلمي مناشدين البدء في مراجعة شاملة لهذه المجالات مثل: (دراسات النوع الاجتماعي، نظرية العرق النقدية، نظرية ما بعد الاستعمار، وغيرها من مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية وخاصة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا) من أجل فصل التخصصات والعلماء الذين يخلقون مغالطة بنائية.
ويمكن للمتخصصين تجنب التضليل في المجلات العلمية عن طريق فحص المصداقية، ولتميز المجلات العلمية التي تنشر أبحاثا زائفة يجب الانتباه إلى التالي:
- فحص قواعد بيانات الفهرسة، البحث عن المجلات المفهرسة في قواعد بيانات مرموقة مثل: Google Scholar أو Scopus أو Web of Science، مع التحقق من جودة القواعد.
- التحقق من التحكيم العلمي، تخضع المجلات الموثوقة للتحكيم العلمي قبل النشر، وتفتقر المجلات المفترسة لهذه العملية لتقليل التكلفة.
- تقييم تصميم الموقع، تلتزم المجلات الموثوقة بمعايير الجودة في تصميم مواقعها، أما المواقع ذات التصميم السيئ أو المحتوى غير الاحترافي فقد تكون مؤشرا على التضليل.
- التحقق من سمعة الناشر، بالبحث عن معلومات حول الناشر.
- الانتباه إلى الأخطاء الإملائية واللغوية، يمكن أن تكون الأخطاء الإملائية أو اللغوية في محتوى المجلة أو في التصميم علامة على عدم المصداقية.