حين يصبح «السكري» ضحية وصفات السوشيال ميديا
الأربعاء / 18 / ربيع الأول / 1447 هـ - 00:37 - الأربعاء 10 سبتمبر 2025 00:37
بفضل الثورة التقنية وهيمنة الأجهزة الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبح العالم اليوم «قرية صغيرة»، إذ يمكن لأي شخص أن ينقل تجربة أو يقدم معلومة بالصوت والصورة إلى ملايين المتابعين في ثوان معدودة، وهذه السهولة تحمل الكثير من الإيجابيات حين تستخدم في نشر المعرفة والتثقيف، ولكنها في الوقت نفسه قد تتحول إلى سلاح خطير عندما يضلل بها على حساب صحة الإنسان.
ومن أكثر المجالات التي تأثرت سلبا بهذه الظاهرة في منصات التواصل الاجتماعي «المجال الطبي»، وبالأخص مرض السكري الذي يعد من أكثر الأمراض المزمنة انتشارا حول العالم، فكم من مقطع مرئي شاهدناه في السوشيال ميديا لأشخاص يقدمون وصفات شعبية أو خلطات متنوعة يزعم أنها قادرة على تخفيف أعراض السكري أو حتى القضاء عليه، وللأسف فإن هؤلاء «المجتهدين» وبدافع الظهور أو لأهداف أخرى يسردون قصصا عاشها قريب أو صديق لهم وشعر بتحسن كبير في صحته وتخلى تدريجيا عن العلاج المحدد للسكري سواء النوع الأول (الإنسولين) أو النوع الثاني (الأدوية الفموية).
لا شك أن بعض المرضى وبدافع الأمل قد يتجاوبون بحسن النية مع هذه الرسائل المضللة، مقتنعين أن بإمكانها ضبط سكر الدم بشكل يومي أو حتى الاستغناء عن العلاج الطبي مع مرور الأيام، وغير مدركين أن ما يبدو كحل بسيط قد يفتح أبوابا لمضاعفات خطيرة يصعب تداركها مثل ارتفاع حاد في نسبة السكر بالدم قد يؤدي إلى غيبوبة، هبوط خطير في السكر نتيجة خلطات غير مدروسة، تأثيرات سامة على الكبد أو الكلى بسبب مكونات مجهولة، إضاعة وقت ثمين كان يمكن استثماره في علاج فعال.
والواقع الذي يجب أن يدركه هؤلاء أن الطب الحديث لم يبنَ على اجتهادات فردية أو قصص شخصية، بل على الطب القائم على البراهين، وهو علم يقوم على دراسات وأبحاث وتجارب دقيقة هدفها الوصول إلى أكثر الطرق أمانا وفعالية في العلاج، لذلك فأي «وصفة» لم تمر عبر هذا المسار العلمي الصارم تبقى مجرد وهم قد يضر أكثر مما ينفع.
ولعل ما يزيد من خطورة الأمر أن مرض السكري بالذات ليس مرضا عابرا، بل هو حالة مزمنة تحتاج إلى متابعة دقيقة وتوازن مستمر بين الدواء، والنظام الغذائي، والنشاط البدني، وأي إهمال أو مغامرة قد تكلف المريض صحته وربما حياته.
ومن المعروف طبيا أن مرض السكري يعتبر من الاضطرابات الاستقلابية المزمنة الناتجة عن خلل في إفراز الإنسولين أو في فعاليته على الخلايا. وهذا الخلل يؤدي إلى ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم، ما يسبب مع مرور الوقت مضاعفات خطيرة تشمل اعتلال الشبكية، الفشل الكلوي، أمراض القلب والأوعية الدموية، إضافة إلى تلف الأعصاب الطرفية، والنهج الطبي يؤكد أن السكري ليس مجالا لأي تجارب عشوائية أو وصفات غير مدروسة، إذ إن ضبط مستوى الجلوكوز يحتاج إلى تدخل طبي ومبني على براهين سريرية واضحة يشمل - كما أشرت - العلاج الدوائي (الإنسولين أو الأدوية الفموية)، التغذية العلاجية الطبية، النشاط البدني المنتظم، والمتابعة الدورية مع الطبيب المعالج.
ومع كل ما سبق أوجه لمرضى السكري بعض النصائح المهمة وهي: عدم خوض أي تجارب عشبية أو خلطات وهمية مهما كانت التجارب والقصص المعروضة في مواقع التواصل الاجتماعي ملهمة وشيقة وجاذبة، وضرورة التواصل مع الطبيب المعالج فهو الشخص الوحيد الذي سيقدم المعلومة الصحيحة حول ما جاء في المقطع المرئي، وضرورة الالتزام بالعلاج وعدم التوقف عن الأدوية أو الإنسولين، الحرص على الغذاء الصحي وجعله متوازنا وتجنب السكريات والأطعمة الدسمة، والحرص على ممارسة النشاط البدني بانتظام، حتى لو كانت الرياضة مشيا على الأقدام يوميا لنصف ساعة، فهي تساعد على ضبط مستوى السكر وتحسين الصحة العامة، وضرورة متابعة مؤشرات القياس المستمر لمستوى السكر في الدم بانتظام، فذلك يمنح صورة واضحة عن استقرار حالة مصاب السكري.
الخلاصة: لمرضى السكري والأمراض الأخرى، صحتكم أمانة، فلا تفرطوا بها في سبيل تجارب مجهولة أو وصفات متداولة على مواقع التواصل، وتذكروا أن الطبيب وحده هو الشخص المؤهل لتقديم العلاج المناسب، وأن الالتزام بالدواء والمتابعة الدورية والفحص المستمر هي مفاتيح العيش مع السكري وغيره بأمان، دعوا قصص الإنترنت على الهامش، وتمسكوا بما يوجه به الطبيب المعالج لتفادي التعرض لأي مخاطر - لا قدر الله - وسلامة صحتكم.