الأزمات الإعلامية
الاثنين / 16 / ربيع الأول / 1447 هـ - 22:35 - الاثنين 8 سبتمبر 2025 22:35
في عام 2017 انتشر مقطع مرئي عابر للحدود الإعلامية الجغرافية لأحد الركاب على متن طيران يونايتد اكسبريس، بسبب أن الحجوزات كانت أكثر من عدد المقاعد المتاحة (Overbooking)، واضطرت الشركة أن تفعل سياستها المحوكمة الخالية من معايير الحوكمة، بأنه في حالة عدم وجود متطوعين مقابل تعويض مالي أو تذاكر مستقبلية، يتم اختيار ركاب بشكل إجباري بناء على نظام الشركة الذي يضع الأولويات لمن ليس لديه عضوية ولاء عالية أو حجزه أرخص أو من فئة منخفضة أو ما عنده ارتباطات خاصة مثل الأطفال أو ذوي الاحتياجات. أحد المسافرين الذي وقع عليه الاختيار رفض مغادرة مقعده، مما اضطر الشركة أن تستدعي عناصر الأمن بالمطار الذين تصرفوا معه بعنف لانتقاله خارج الطائرة. الذي خلف إصابات بليغة على الراكب.
هذا المقطع انتشر كهشيم تذروه الرياح في جميع وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، مما جعلها أزمة اتصالية بامتياز ذات تردد عالمي على شركة يونايتد اكسبريس، في صبيحة اليوم التالي خسرت أسهم يونايتد أكثر من 1.4 مليار دولار من قيمتها السوقية في الجلسة الصباحية (pre-market)، والخسارة الأكبر كانت في صورة العلامة التجارية، إذ أصبحت القصة مثالا عالميا يدرس في الأزمات الاتصالية وسوء إدارة الإعلام، وما زلت أتذكر تفاصيلها في دورة تعليمية سابقة خارج المملكة.
الأزمة التي حصلت تأزمت أكثر بسبب تواصلها الإعلامي غير المسؤول أو غير المحوكم ومناسب لهذه الحالة، الشركة في بيانها الأول (First statement) اعتذرت باستخدام عبارة باردة بعبارات إعادة استيعاب العملاء
(re-accommodating customers) بدل الاعتراف والاعتذار عن العنف ضد الراكب، وهذا أثار موجة غضب أعتى من تلك الموجة السابقة المصاحبة لانتشار المقطع.
وبعد ذلك تسربت رسالة الرئيس التنفيذي الداخلية في الشركة، التي دافع فيها عن الطاقم ووصف الراكب بأنه مشاغب، مما أظهر الشركة وكأنها تلوم الضحية وزادت الطين بلة في ارتفاع الموجة العاتية التواصلية، وبعد أن أصبح الوضع متفاقما على الجانب المالي والسمعة المؤسسية أصدرت الشركة اعتذارا قويا ولكن كان خارج الأشواط الأساسية والإضافية وركلات الترجيح.
وما زلت أتذكر تلك العبارة الشهيرة التي بالتأكيد ستجدها في أطرف كتاب أو مقطع يتحدث عن الأزمات التواصلية: في السمعة المؤسسية ما تبنيه في سنوات ينهدم في ثوان
(It takes years to build trust, and seconds to destroy it).
في البيان الأولي لم يكن هناك اعتراف سريع وواضح بالخطأ فضلا عن التلاعب بالكلمات، ولم يكن هناك تعاطف موجه للضحايا والمتأثرين بالإضافة إلى تضارب التصريحات وغياب الشفافية وعدم ربط الاعتذارات المتأخرة بتعديلات جوهرية إصلاحية.
هناك مبدأ شائع في إدارة الأزمات الإعلامية يستخدم كإطار عملي لتعامل الشركات مع الأزمات الإعلامية
(3A’s -Acknowledge – Apologize – Act) اعترف - اعتذر - اتخذ خطوات عملية، وقعت الشركة في هذا الخطأ ثلاثي الأبعاد، في البيانات الأولية لم تعترف بالخطأ، ولم تقم بالاعتذار الصريح والتعاطفي، ولم تتخذ بشكل سريع إجراءات ملموسة لإصلاح الوضع ومنع تكراره. بل حتى بعض المتخصصين في الجانب الإعلامي يذكرون أن الأزمة التواصلية وحتى لو كانت الشركة فيها هي الضحية لا بد لها أن تعترف بما هو صحيح من ناحية الأحداث، ولكن الاعتذار واللغة التعاطفية لا بد من وجودهما، لأنك الآن أمام الجمهور وليس أمام قضية محدودة بين طرفين.
في دهاليز الأزمات، تصريح خاطئ قد يشعل جذوة نار لا تنطفئ بسهولة، وبيانات اعتذار متأخرة قد تهدم سنوات من الثقة، وتصرفات مناسبة متأخرة رغم جودتها قد تلعثم المنظمة أكثر من أي خطأ وقع.
الأزمات تحصل ولن تتوقف، فهذه سنة الله في الكون والخلق، والمعركة الحقيقية ليست في الأزمة نفسها، بل في مدى سرعة وشفافية وجرأة استجابتك. كيف يكون لديك خطط واثقة ومجودة وتواصل شفاف وتصرفات حازمة هي الفيصل في صيانة الأزمات التواصلية، والضريبة على النقيض، ثوان من الهدم لبناء قديم وفارع الطول من السمعة المؤسسية.