الحرب العالمية أقرب مما نتصور
الاثنين / 16 / ربيع الأول / 1447 هـ - 22:31 - الاثنين 8 سبتمبر 2025 22:31
كوكبنا اليوم يتأرجح فوق قرني ثورين هائجين، يمثلان قوتين عالميتين تتنازعان الهيمنة والمصالح، وتصنعان المخاوف، وتعيدان رسم خارطة التحالفات الدولية من خلال مواقف واستعراضات تعيد إلى الأذهان أجواء ما قبل الحرب العالمية الثانية.
ثور غربي وآخر شرقي، وما بينهما مناطق مجهولة وضياع قرار، فيقف حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة ومهما بدا من شتاته وتعجرفه متحديا، وعلى الجانب الآخر يتشكل الحلف الشرقي بقيادة روسيا والصين وكوريا الشمالية، وعشرين دولة تصطف معهم في احتفال الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في أكبر ساحة حضرية في العالم «تيان آن من» في العاصمة الصينية بكين، مستعرضين ترساناتهم النووية في رسالة واضحة بوجود القوة والثقة، التي لا تخلو من التهديد.
استعراض يعد إعلانا عن تشكل محور عالمي يلفت الأنظار، يواجه ويتحدى، ويضع دول العالم أمام مفترق طرق، لتعيد حساباتها وولاءاتها في ظل تصاعد التوترات، التي تقدح زنادها مشاعر نرجسية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسياسات متعجرفة، وعقوبات اقتصادية سلطوية.
التوقعات متباينة، فقيادة الولايات المتحدة لا تبدو كما كانت، حيث تعاني من فردانية وتناقضات داخلية وخارجية، وسياسة تهميش تضعف التماسك في الحلف الغربي، وتخلق حالات من الحيرة والارتباك ما دفع أعضاء الناتو للتشكيك في صدق التزام واشنطن تجاههم.
هذا التصدع في الجبهة الغربية تقابله نية تماسك متزايد في الجبهة الشرقية، التي لا تكتفي بتوحيد الصفوف، بل تسعى إلى فرض واقع الردع والتحدي اقتصاديا وعسكريا، ما يعني تغيير موازين القوى العالمية بقرن يحاول كسر الآخر.
بقية الدول الوسطية، ومهما كانت بعيدة عن مركز الصراع، لم تعد تملك رفاهية وحرية الحياد.
والعالم يتجه نحو حدة الاستقطاب، وكل الدول مطالبة بتحديد مواقفها، ليس فقط سياسيا، بل اقتصاديا وعسكريا.
الدول الغنية مطالبة بتمويل حلفائها بخيراتها، والدول الصناعية مجبرة لتسخير مصانعها لدعم آلة الحروب، والدول الزراعية عليها أن تستعد لتغذية ثورها، ومنع الغذاء عن الفريق المقابل.
حاضر عالمي مربك، لم يعد الانتماء فيه خيارا، بل ضرورة وجودية، وبلد لا يعرف أين يقف، سيجد معطياته وأمنه واستقراره ضحية استعداء قرن لا يرحم.
علامات الشرور ومعطياتها باتت ظواهر عظمى، يوجهها سباق التسلح النووي، والحروب بالوكالة، والكارثة تتجلى بضعف وشتات المنظمات الدولية، التي كانت تمثل صوت العقل وتوازن النظام العالمي، وتحظى باحترام الجميع، مثل هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمحكمة الدولية.
مؤشرات التهور تتحكم بالعقول، وتدفع نحو سيناريو للحرب العالمية الثالثة، التي لا شيء فيها سيكون تقليديا.
الضرر لن يقتصر على المشاركين في الحرب، بل سيطال من لم يحدد موقفه، ومن لم يجد الحليف الصادق ليحميه أثناء مصارعة الثيران.
للأسف، عالمنا اليوم يعيش أياما فارقة وضبابية رؤية، والوقوف فوق قرون الثيران ينذر بنهايات فناء مزعجة، تحرق الأمن والسلام وتفتح الباب للعدم.
جميع الدول يجب أن تدرك أن مستقبلها لا يبنى على الضعف والتردد والحياد، بل على الفهم العميق للتحولات الجارية بين قرني الثورين، وعلى التسلح وحسن الاختيار، لتضمن سلامتها أثناء رسم ملامح النظام العالمي القادم، وقبل أن يفرض عليها واقع مرير لا تملك فيه الخيار المطمئن لشعبها ومستقبلها.